وهي أن أبرهة الحبشي لما استولى على اليمن بني في صنعاء كنسية سماها "القليس" وأراد أن يصرف إِليها حج العرب بدل الكعبة، فحمي لهذا رجل من العرب فدنس القليس، مما جعل أبرهة يعزم على هدم الكعبة، فسار في جيش كثيف ومعه الفيلة التي استقدمها من الحبشة، ولما وصل "المغمس" قرب مكة مات دليله من العرب أبو رغال، وكانت العرب بعد ذلك ترجم قبره، وقد أخذ جنود أبرهة أموال أهل مكة وفيها إِبل لعبد المطلب، فجاء عبد المطلب وكان رجلًا جميلًا مهيبًا حتى دخل على أبرهة وطلب منه إِرجاع إِبله فقال أبرهة: إِنا جئنا لهدم البيت الذي هو عزكم وشرفكم وأنت تطلب الإِبل. فرد عبد المطلب: أنا رب إِبلي وللبيت رب يحميه. وكان لهذه الكلمة أثرها في نفس أبرهة، أما قريش فقد عجزت عن المواجهة وخرجت إِلى رؤوس الجبال حتى لا تصطدم مع جنود أبرهة، وأراد الله سبحانه وتعالى أن لا يكون لأهل الشرك فضل على بيته فحماه سبحانه، حيث أرسل على أبرهة وجنوده: طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فهزم الله أبرهة وأهلك جنده وفيلته، ومات هو في طريق عودته إِلى صنعاء (١).
وهذه الآية العظيمة مما زاد في مكانة البيت وتعظيم مكة والحرم عند العرب.
[الثالث: نذر عبد المطلب]
وذلك أن عبد المطلب لما طالبته قريش بالمشاركة في بئر زمزم وكان وقتها ليس له من الأبناء إِلا الحارث، فنذر لله إِن رزقه عشرة من الولد، وبلغوا أن يحموه، أن يذبح أحدهم لله. فرزق عشرة من الأبناء وأراد أن يفي بنذره، فضرب القداح عند الصنم هبل، وكان
(١) ابن هشام ١/ ٦٦، وانظر: تفسير سورة الفيل في تفسير ابن كثير ٨/ ٤٨٣ وما بعدها.