للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغار وكأنه قصر شامخ منيف يطل على الناس من علو، ومتى افتقد صاحب القصر الإِيمان أصبح قصره أضيق عليه من قبره.

٩ - في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ .... الآية} (١)، فما النصر؟ إِن النصر الذي يحتفي به القرآن هو النصر المرتبط بتحقيق أهداف أخروية، والمسلم لا يرى هذه الدنيا إِلا وسيلة لتحقيق النصر الذي يرفع منزلته في الآخرة، وهذا النصر هو الذي تقوم به العدالة في الدنيا وتستقيم الحياة وتطمئن النفوس، والنصر قسمان:

الأول: نصر المسلمين إِذا طمعوا في عدوهم، فيتم الله لهم ما طلبوا ويظهروا عليهم.

الثاني: نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر، فنصر الله له أن يرد عنه عدوه. وهذا النصر هو أنفع النصرين، ونصر الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين

من هذا النوع (٢).

[دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة]

لقد بلغ الأنصار مخرجُه من مكة، وقصدُه إِيّاهم، فكانوا كلّ يوم يخرجون إِلى الحرّة ينتظرونه أولَ النهار، فإِذا اشتد حرُّ الشمس رجعوا إِلى منازلهم، فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وافاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتدّ الضحى، بعد أن رجعوا إِلى بيوتهم، وكان أولَ من بصر به رجلٌ من اليهود، وكان على سطح أطمة له (أي حصن)، فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون.

فبادر الأنصار إِلى السلاح ليتلقَّوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسُمِعَت الرجّة والتكبير في بني


(١) سورة التوبة، آية ٤٠.
(٢) تفسير ابن سعدى ص ٣٣٨.

<<  <   >  >>