للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صوته صحل (١)، وفي عنقه سطع (٢)، أحور أكحل، أزج أقرن (٣)، شديد سواد الشعر، إِذا صمت علاه الوقار، وإِن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصلٌ لا نزر ولا هذر، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إِذا قال، استمعوا لقوله، وإِذا أمر، تبادروا إِلى أمره، محفود محشود (٤)، لا عابس ولا مفند (٥).

فقال أبو معبد: والله، هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إِن وجدت إِلى ذلك سبيلًا.

وأصبح صوتٌ بمكة عاليًا، يسمعونه ولا يرون القائل:

جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر وارتحلا به ... وأفلح من أمسى رفيق محمَّد

فيا لقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإِنائها ... فإِنكم إن تسألوا الشاء تشهد

قالت أسماء بنت أبي بكر: ما درينا أين توجّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه، ويسمعون صوته ولا يرونه؛


(١) الصُّحَل: صوتٌ فيه بُحَّة وغِلَظ، وهو مستحسن لخلوه من الحِدَّة المؤذية للسمع.
(٢) السَّطع: طول العنق.
(٣) الأزجّ: المتقوّس الحاجبين في طول وامتداد. والأقرن: المتصل رأسي حاجبيه.
(٤) المحفود: المخدوم. والمحشود الذي يجتمع الناس له.
(٥) العابس الكالح الوجه. والمفنّد: المنسوب إِلى الجهل وقلّة العقل، من الفَنَد: الخَرَف. هذا وما سبقه من منال الطالب (ص ١٨٤ - ١٩٨)

<<  <   >  >>