للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمبدأ النظري يُرى ماثلًا قائمًا في شخص صاحبه، وهذا ما نجده في السيرة النبوية، حيث كان رسول - صلى الله عليه وسلم - يُجسِّد تعاليم الإِسلام كما أرادها الله تعالى أن تطبق في عالم الأحياء والبشر، وذلك في جميع أحواله وظروفه، نومًا ويقظة، سِلْمًا وحربًا، جِدًا ومداعبة، غَضَبًا ورضا، فردًا وجماعة (١).

وتظهر شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال السيرة النبوية في الصورة المشرقة للإِنسان الذي يمارس إِنسانيته بكل أبعادها، ويتفاعل مع الواقع بكل معطياته. وندرك أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الإِنسان -بكل نوازع الإِنسان- قد تربع قمة التسامي الإِنساني وهو المثل الأعلى الحق للبشرية جميعًا. كما يدرك الدارس للسيرة النبوية التلازم والتطابق الذي لا ينفصم بين القول والعمل، والمبدأ والسلوك في شخصيته - صلى الله عليه وسلم -، فلا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، بل هو أول ملتزم ومطبق للأمر ولو كان وحده، ولقد اهتدى بهذه السيرة الكريمة العطرة واستدل بها على صدق نبوته ورسالته عدد غير قليل في حياته وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - من العظماء والكبراء، وآحاد الناس وعامتهم، ومنهم الجُلندَى ملك عُمان (٢)، فقد قال لعمرو بن العاص عندما جاءه برسالة من النبي - صلى الله عليه وسلم -: والله لقد دلني على صدق هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إِلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إِلا كان أول تارك له، وأنه يَغلِبُ فلا يَبطر، ويُغلَب فلا يهجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي (٣).

فهذه القمة الرفيعة من الإِنسانية في شخص محمد - صلى الله عليه وسلم -، والتي كانت تدرج على الأرض، وتسير في فجاجها، عندما تقدم للإِنسان على اختلاف زمانه ومكانه، ودينه


(١) مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص ٢٠
(٢) الجلندي- بضم أوله وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال- ابن عبد جمل الأزدي ملك عمان زمن البعثة النبوية، وخلفه من بعده ابنه جيفر (انظر ترجمته في الإِصابة لابن حجر ١/ ٥٣٨)
(٣) المصدر نفسه ١/ ٥٣٨ ونسبه عن وثيمة في كتاب الردة عن ابن إسحاق.

<<  <   >  >>