للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبدأت المعركة بالمبارزة ثم التحم الجيشان، فدارت الدائرة على المشركين أول النهار فولوا مدبرين حتى انتهوا إِلى نسائهم في مؤخرة الجيش، فلما رأى الرماة هزيمة قريش، قالوا: الغنيمة، الغنيمة، فنهاهم أميرهم وذكرهم عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يستجيبوا له، وحسبوا أن ليس للمشركين رجعة، فذهبوا في طلب الغنيمة، وعندما رأى خالد بن الوليد ما فعل الرماة، استغل هذا الأمر وجاء إِلى من بقي من الرماة فقتلهم، ثم التف على المسلمين، وعند ذلك كرَّ كفار قريش على المسلمين من كل اتجاه، فاضطرب المسلمون، واختل نظامهم، وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكانه، وأصيب - صلى الله عليه وسلم -، وسالت الدماء من وجهه الشريف وأشيع أنه قُتل، فتراجع بعض المسلمين إلى المدينة، وقعد بعضهم عن القتال، واستُشهد سبعون صحابيًا منهم، حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير حامل اللّواء، وسعد بن الربيع رضوان الله عليهم جميعًا (١).

ولما برد القتال أشرف أبو سفيان على المسلمين ونادى: (أفي القوم محمَّد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إِن هؤلا قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله أبقى الله لك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعلُ هُبل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثلةً، لم آمر بها ولم تسؤني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) (٢). ثم انسحبت قريش عائدة إِلى مكة دون أن تستثمر نتيجة المعركة فلم تأخذ أسيرًا ولا غنيمة.


(١) ابن سعد، الطبقات ٢/ ٤١، ابن القيم، زاد المعاد ٣/ ١٩٦.
(٢) البخاري، صحيح البخاري مع الفتح ٧/ ٤٠٥.

<<  <   >  >>