فلجأ الصحابة إِلى مرتفع ليتحصنوا به، فأحاط بهم المشركون وقالوا لهم:(لكم العهد والميثاق إِن نزلتم إِلينا أن لا نقتل منكم رجلًا. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قَتَلوا عاصمًا في سبعة نفر بالنبل، وبقي خُبيب بن عَدِي، وزيد بن الدِّثنة، وعبد الله بن طارق، فأعطوهم العهد والميثاق أن لا يقتلوهم فنزلوا إِليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قِسِّيهم فربطوهم بها، فقال عبد الله بن طارق: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو حارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيبًا قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فمكث عندهم أسيرًا، حتى إِذا أجمعوا على قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته، قالت: فغفلتُ عن صبي لي، فدرج إِليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منى، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذاك إِن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما في مكة يؤمئذ ثمرة، وإِنه لموثق في الحديد، وما كان إِلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه (١)، فقال: دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف إِليهم بعد أن صلّى فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدتُ، فكان أول من سَنّ الركعتين عند القتل، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بِدَدَا ولا تغادر منهم أحدا. ثم قال:
ولست أبالي حين أُقْتَلُ مسلمًا ... على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإِن يشأ ... يبارك على أوصال شلوٍ مُمَزَّعِ
ثم قام إِليه عقبة بن الحارث فقتله بعد أن رفعوه على خشبة.
(١) وذلك أنهم خرجوا به إِلى التنعيم، بعد انقضاء الأشهُر الحرُم. ابن هشام، المصدر السابق ٢/ ١٢٢، ١٢٣.