للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحرك جيش المسلمين والتقى بالروم عند قرية مؤتة، وهناك دارت رحى معركة غير متكافئة في العَدد والعُدد، ولكن الله ثبت عباده ووفقهم، حيث أثخنوا في جيش العدو، قال خالد بن الوليد: انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف (١). فهذه الأسياف التي انقطعت في يده كم من الرقاب والدماء أزالت وأسالت؟ وقُتِل القائد الأول زيد بن حارثة برماح الأعداء، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب فاقتحم عن فرسه ثم عقرها حتى لا يستفيد منها العدو، وثبت ثبات الأبطال حتى قطعت يده التي تحمل الراية، فأخذ الراية باليسرى؛ وظل يقاتل فقطعت أيضًا فحملها بعضديه فصرعه أحد الفرسان، وقد عوضه الله بجناحين يطير بهما في الجنة (٢). وأخذ الراية عبد الله بن رواحة وتردد قليلًا ثم جالد الأعداء حتى سقط صريعا، ولما سقطت راية المسلمين حملها ثابت بن أقرم الأنصاري وقال: يا قوم اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت، فقال: ما أنا بفاعل. ثم اصطلح الناس على خالد بن الوليد فدفعها إِليه (٣). وكان ذلك في آخر النهار، وقد بَرَد القتال، فاتخذ خالد خطة حربية محكمة حيث غير مواقع الجند، فجعل الميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة، والمقدمة مؤخرة، والمؤخرة مقدمة، واختار عددًا من الفرسان وأمرهم بأن يثيروا الغبار فيظن العدو بأن هناك مددا قادما، فأوقع الله في قلوب الروم الرعب فانسحبوا وبذلك نصر الله جنده، ودليل النصر وهزيمه الكفار قوله - صلى الله عليه وسلم -: ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم (٤).

ومع ما حصل من قتل القادة والشدة على جيش المسلمين إِلا أن عدد القتلى من


(١) صحيح البخاري، ح ٤٠١٧.
(٢) المصدر السابق ح ٣٧٠٩، ٤٢٦٤.
(٣) ابن هشام ٢/ ٣٧٩.
(٤) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة ح رقم ٤٢٦٢.

<<  <   >  >>