للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقدم المشركون من سهل أوطاس نحو مكة، والتقى الجيشان في وادي حنين (١) -وهو وادي أجرد حطوط ذو شعاب ومضايق- وكان قائد المشركين قد عبأ أصحابه من آخر الليل وفرقهم في الشعاب، وأوعز إِليهم أن يحملوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حملة واحدة.

ورتب - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وصفهم صفوفا بالسَّحَر، ثم ساروا في الوادي في عَماية الصبح (٢) فما راع الناس إِلا الكتائب تشد عليهم شدة رجل واحد، فانكشفت مقدمة جيش المسلمين؛ فولوا الأدبار، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على أحد، وارتفع الغبار، وانحاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين ثم قال: أيها الناس هلم إِليّ، هلم إِلي أنا رسول الله، أنا محمَّد بن عبد الله. وأمر العباس أن ينادي بصوته الجهوري: يا أهل السمرة، يا أهل سورة البقرة وآل عمران، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته تجاه العدو وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب (٣)، ولما رأى بعض أهل مكة الهزيمة تكلموا وقالوا: لا تنتهى هزيمتهم دون البحر، وقال أحدهم: ألا بَطَل السحر اليوم. فقال صفوان بن أمية وهو مشرك يومئذ: اسكت فظ الله فاك، والله لئن يَربّني رجل من قريش أحب إِلي من أن يربني رجل من هوازن (٤). وصار من يسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصوت العباس يُردِّد، ومن يسمع وهو منهزم يعود سريعا، حتى إِن بعضهم نزل عن دابته خشية أن يتأخر في الاستجابة، ومن بقي على دابته ما عاد إِلا وقد انتهى الأمر وهزم الله المشركين، فمنهم من فرّ، ومنهم من قُتِل، ومنهم من كُتِّف وأُسِرَ، وجيء بالنساء والإِبل والغنم والبقر والأموال.


(١) هو وادي الشرائع العليا -شرائع النخل- وأعلاه يسمى الصدر، والخبر أخرجه البيهقي في "الدلائل" ٥/ ١٢٤ من طريق يونس بن بكير.
(٢) عماية الصبح: أي ظلمته وغلسه قبل انتشار النور.
(٣) متفق عليه؛ صحيح البخاري ح ٢٨٦٤، ومسلم ح ١٧٧٦.
(٤) ابن هشام، السيرة النبوية ٤/ ٨٧.

<<  <   >  >>