للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع هذا فعندهم عادات حسنة وأخلاق حميدة مثل الكرم، والشجاعة، وإباء الضيم، والعفة، والذكاء والفطنة، وقوة الحافظة، والفروسية، والمروءة والنجدة، والفصاحة، والحفاظ على الأحساب وصيانتها، فيأنفون من الكذب والغدر والخيانة، ويحبون الصراحة والوضوح لصفاء فطرتهم وطبيعة حياتهم المبنية على البساطة والحرية التي عاشوها، فلم يخضعوا لحكومة أجنبية، ولم يألفوا الرق والعبودية، وانحرافاتهم ناتجة عن جهل بسيط فيسهل معالجتها والرجوع بها إِلى أصل الفطرة وصفائها، وكانوا واقعيين جادّين أصحاب صراحة وصرامة، وأصحاب صدق وشجاعة، لا يخدعون غيرهم ولا أنفسهم.

ولم تكن أخلاقهم كأخلاق أهل المدنيات من الفرس والروم التي كثرت فيها الالتواءات وأدواء الترف حتى أفسدتها، وظهرت فيها الفلسفات، وأثرت فيها المدنيات بأخلاطها وتعقيداتها وطبائع أهلها المختلفة (١)، فكان جهلهم جهلًا مركبًا (٢). أو كما يقول مالك بن نَبِي: إِن العربي في ذلك الوقت هو إِنسان ما قبل الحضارة، مثل المادة الخام، يمكن تصنعيها وتنظيم ما فيها من طاقات ... وأما فارس والروم فقد كانوا في مرحلة ما بعد الحضارة كالخُرْدة المستهلكة المبعثرة (٣).

وقد كانت تلك الفضائل في العرب رصيدًا حسنًا في نفوسهم وفطرتهم زاده الإِسلام كمالًا وجمالًا ووجّه تلك الأخلاق والفضائل وجهة صحيحة حسب أحكامِ الشريعةِ ومكارمِها العالية.


(١) انظر: أبو الحسن الندوى، السيرة النبوية ص ٤٥ - ٤٨.
(٢) الجهل البسيط: هو عدم العلم، والجهل المركب: هو عدم العلم مع الإِدعاء أنه يعلم.
(٣) حنان لحام، هدى السيرة في التغيير الاجتماعي ص ١٨.

<<  <   >  >>