بَعْدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إلَيْكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ يُرْوَى بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ إلَى هُنَا فَإِذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُونَهُ وَيَقْرَءُونَ مَعَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُتَابِعُونَهُ وَلَكِنْ يُؤَمِّنُونَ وَالدُّعَاءُ هَذَا اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ وَنَسْتَغْفِرُك اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (دَائِمًا) أَيْ فِي كُلِّ السَّنَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (دُونَ غَيْرِهِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَيْضًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ اهـ.
(قَوْلُهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَوْقِيتِ الْقُنُوتِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا مُرَادُهُ فِي أَدْعِيَةِ الْحَجِّ لِلْمَنَاسِكِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَرُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْمُصَلِّي مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ نَشْكُرُك) ، كَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْقُنُوتِ نَشْكُرُك كَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ لَيْسَ بِمُثْبَتٍ فِي الرِّوَايَةِ أَصْلًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَنَخْلَعُ) عَطَفَهُ بِالْوَاوِ وَأَسْقَطَهَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَنَحْفِدُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْإِسْرَاعُ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ قَرَأَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ) أَقُولُ، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ الْجِدِّ.
وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ الْجِدَّ اهـ.
وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْحَقِّ. اهـ.
قُلْت، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْجِدِّ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ لَفْظَ نَسْتَهْدِيكَ وَنَتُوبُ إلَيْكَ ثُمَّ قَالَ الْمَعْنَى يَا اللَّهُ نَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَنَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ الذُّنُوبِ وَنُثْنِي مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الْمَدْحُ وَانْتِصَابُ الْخَيْرِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ نُثْنِي عَلَيْكَ الثَّنَاءَ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِمْ أَثْنَى عَلَيَّ شَرًّا وَالْكُفْرُ نَقِيضُ الشُّكْرِ وَأَصْلُهُ السَّتْرُ يُقَالُ كَفَرَ النِّعْمَةَ إذَا لَمْ يَشْكُرْهَا كَأَنَّهُ سَتَرَهَا بِجُحُودِهِ. وَقَوْلُهُمْ كَفَرْت فُلَانًا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَالْأَصْلُ كَفَرْت نِعْمَتَهُ وَمِنْهُ وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ مِنْ خَلَعَ الْفَرَسُ رَسَنَهُ إذَا أَلْقَاهُ وَطَرَحَهُ وَمَنْ مَفْعُولُ نَتْرُكُ. وَأَمَّا مَفْعُولُ نَخْلَعُ فَمَحْذُوفٌ وَمِنْهُ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: ١٩] وَهُوَ مِنْ بَابِ تَوْجِيهِ الْفِعْلَيْنِ إلَى اسْمٍ وَاحِدٍ وَبِهِ يُحْتَجُّ فِي إعْمَالِ الْأَقْرَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَيَفْجُرُكَ أَيْ يَعْصِيكَ وَيُخَالِفُكَ وَالسَّعْيُ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَنَحْفِدُ أَيْ نَعْمَلُ لَكَ بِطَاعَتِكَ مِنْ الْحَفْدِ الْإِسْرَاعِ فِي الْخِدْمَةِ وَأَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ وَمُلْحَقٌ أَيْ لَاحِقٌ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مُلْحَقٌ بِالْكُفَّارِ الْفُسَّاقِ قَالَ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ عَذَابَك اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَشْيَةِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَحْسُنْ اهـ قُلْتُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْإِضْمَارِ، وَلِأَنَّ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مَرْكَزُ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَرَجَاؤُهُ بِمِيزَانٍ يَرْبِضُ لَاعْتَدَلَا» فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنِّي مُؤْمِنٌ حَقًّا وَعَذَابُكَ لَاحِقٌ بِالْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ يَرْبِضُ أَيْ يَقُومُ. اهـ. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.
(قَوْلُهُ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ إلَى هُنَا) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقْنُتُ الْإِمَامُ وَيَسْكُتُ الْمُقْتَدِي وَهَذَا كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي الْقُنُوتِ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُقْتَدِي كَالْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْنُتُ كَالْإِمَامِ ثُمَّ هَلْ يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ اخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ اهـ.
وَفِي الْعِنَايَةِ الْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَانِتُ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَخَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ اهـ.
وَمَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ دُونَ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ فَلَكَ الْحَمْدُ. . . إلَخْ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْبُرْهَانِ بَلْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ أَيْ الدُّعَاءِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا، وَقِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ وَنَحْنُ قَدْ أَوْجَدْنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ثُبُوتَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. اهـ. وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.