للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ كَالتَّقْلِيدِ (وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا جَائِزُ الْأُضْحِيَّةِ) وَسَيَجِيءُ بَيَانُهَا عَنْ قَرِيبٍ (وَجَازَ الْغَنَمُ) فِي كُلِّ شَيْءٍ (إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا وَوَطْئِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ (أَكَلَ) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ، بَلْ اُسْتُحِبَّ (مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ شُرِعَتْ جَزَاءً لِلْجِنَايَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِرْمَانُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا (وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا.

(وَ) يَذْبَحُ (غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ) مِنْ الْهَدَايَا (لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَتَعَيَّنَ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِ الْأَخِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَتَى

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي مُوجِبُهُ هُنَاكَ كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَاقِيًا اهـ (تَتِمَّةٌ) يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُكْرَهُ.

وَقَالَ الْكَمَالُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ حَجَّ الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ، بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ اهـ.

وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، وَالصَّرُورَةَ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِلَّا قَالَ وَيَجِبُ إحْجَاجُ الْحُرِّ. . . إلَخْ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[أَحْكَام الْهُدَى]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَقُولُ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا، وَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اهـ.

وَوَقْتُ تَقْلِيدِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَعَثَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا) أَيْ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَكْل) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ أَيْضًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ اُسْتُحِبَّ) أَيْ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ لُحُومِ كُلِّ هَدَايَاهُ» وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ مِنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَطَعَامِ الثُّلُثِ وَادِّخَارِ الثُّلُثِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ لِيَحْصُلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَرَادَ بِالْيَوْمِ زَمَانَ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ) شَامِلٌ دَمَ التَّطَوُّعِ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَكِنْ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ مِنْ الْهَدَايَا) أَيْ فَلَا تُجْزِيهِ لَوْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي إلَّا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَيَذْبَحُهُ فِي مَحَلِّ عَطَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ الْكَمَالِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ التَّطَوُّعِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ نَحْرَ الْمَنْذُورَةِ بِمَكَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ قِسْمَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ دِمَاءُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى دِمَاءِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ أَرْبَعَةٌ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَةِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهَا إلَى مَا عَطِبَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ كَدَمِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَدَمِ الْعَقِيقَةِ وَالْوَكِيرَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>