للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَحْتَمِلُهُ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَجْرَى الْمَاءَ إلَى أَرْضِ جَارِهِ تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ. (وَفِي) رِوَايَةٍ (أُخْرَى يَضْمَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (كُرِيَ نَهْرٌ لَمْ يُمْلَكْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْعَامَّةِ (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ (فَعَلَى الْعَامَّةِ) وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ (وَكُرِيَ) النَّهْرُ (الْمَمْلُوكُ عَلَى أَهْلِهِ) النَّهْرُ الْمَمْلُوكُ الَّذِي دَخَلَ مَاؤُهُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ إمَّا عَامٌّ وَإِمَّا خَاصٌّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا فَهُوَ خَاصٌّ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ فَعَامٌّ وَكَرْيُهُمَا عَلَى أَهْلِهِمَا لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَيَكُونُ مُؤْنَةُ الْكِرَى عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغَنْمِ.

[الشَّفَةِ وَأَحْكَامِهَا]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الشِّرْبِ وَأَحْكَامِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الشَّفَةِ وَأَحْكَامِهَا فَقَالَ (وَالشَّفَةُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ وَلِكُلٍّ) مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ (حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الشَّفَةِ (فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ بِطَرَفٍ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا) أَيْ الشَّفَةِ (فَقَطْ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاكٍ لَهُمْ فِي الشِّرْبِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الشِّرْبَ وَالشَّفَةَ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الشِّرْبُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ فِي الْمُقَاسِمِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ الشَّفَةُ وَلِأَنَّ الْبِئْرَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ بِدُونِهِ كَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِهِ (فِي أَنْهَارٍ مَمْلُوكَةٍ بِئْرٍ وَحَوْضٍ وَقَنَاةٍ) وَلَمَّا كَانَتْ الشَّفَةُ مُتَنَاوِلَةً لِشُرْبِ الدَّوَابِّ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا مُقْتَضِيًا لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ سَقْيِ الدَّوَابِّ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ اسْتَدْرَكَهُ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لَا يَسْقِي دَوَابَّهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ إنْ خِيفَ تَخْرِيبُهُ لِكَثْرَتِهَا) أَيْ الدَّوَابِّ (وَلَا) يَسْقِي (أَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْهُ وَمِنْ قَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَسْقِي شَجَرًا أَوْ خُضَرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ) فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ (طَالِبُ الشَّفَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِي مِلْكِ شَخْصٍ خَلَاهُ) أَيْ أَذِنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الطَّالِبَ لِيَأْخُذَهُ (أَوْ أَخْرَجَهُ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قِيلَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الشَّفَةَ أَوْ تَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْحَفْرُ لِإِحْيَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يُقْطَعُ الشَّرِكَةُ فِي الشَّفَةِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) صَاحِبُ الْمَاءِ (عَنْهُمَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ وَالْإِخْرَاجِ وَطَالِبُ الْمَاءِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ (قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِهِ حَقَّهُ وَهُوَ الشَّفَةُ وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ.

(وَفِي مَاءٍ مُحْرَزٍ) فِي الْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ قَاتَلَهُ (بِلَا سِلَاحٍ) بَلْ بِعَصًا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّعْزِيرِ لَهُ (كَطَعَامٍ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ) ، فَإِنَّ لِطَالِبِهِ أَنْ يُخَاصِمَ بِلَا سِلَاحٍ. .

[كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَقَبَهَا بِهَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ تُنَاسِبُهَا بَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّضَادِّ وَبَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّجَانُسِ (مَا كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ) فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ فِي كُتُبِهِ أَرَادَ بِهِ الْحَرَامَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ) جَمَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَاتَيْنِ التَّسْمِيَتَيْنِ لِلْكِتَابِ وَغَيْرُهُ أَفْرَدَهُ بِإِحْدَاهُمَا وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الْحَظْرِ وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، أَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْكَرَاهِيَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَبَيَانُ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْحَظْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّكَ مَحْبُوسًا عَنْ الْبِرِّ وَالْفَاجِرُ وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ وَالْمُبَاحُ مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ وَلَفْظَةُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ أَوْ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فَلِأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ أَطْلَقَهَا الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>