للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ.

(مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ) هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَنَحْنُ نَقُولُ يَكْفِي كَوْنُ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ مَوْجُودَيْنِ وَقْتَ الْحَدَثِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَانُ بَقَاءِ اللُّبْسِ لَا زَمَانُ حُدُوثِهِ، وَالْمُفِيدُ لِلْبَقَاءِ، وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ الِاسْمُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُفِيدُ التَّجَدُّدَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَحْسَنُ لِجَوَازِ تَوْجِيهِ عِبَارَةِ الْقَوْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ لَبِسَ وَعِنْدَ الْحَدَثِ مُتَعَلِّقًا بِتَامٍّ، وَالْمَعْنَى إذَا لَبِسَهُمَا كَائِنًا عَلَى طُهْرٍ هُوَ تَامٌّ عِنْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَآلُ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدًا.

(لِلْمُقِيمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جَازَ (يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» (مِنْ حِينِ الْحَدَثِ) لَا حِينِ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمَسْحِ هُوَ وَقْتُ الْحَدَثِ.

(عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ جَازَ، الْخُفُّ مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَ أَوْ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرَهَا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ قَدْرَهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ وَاسِعًا بِحَيْثُ تُرَى رِجْلُهُ مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ (أَوْ جُرْمُوقَيْهِ) هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ فَوْقَ الْخُفِّ وِقَايَةً لَهُمَا (الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَى الْخُفِّ قَبْلَ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ لَبِسَهُمَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَلْ عَنْ الرِّجْلِ كَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْجُرْمُوقُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ كَانَتْ بِالرِّجْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْخُفِّ وَظِيفَةٌ لِيَصِيرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَصِيرُ الْجُرْمُوقُ بَدَلًا مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهِ بَلْ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ إلَى الرِّجْلِ وَلِذَا قُلْنَا إذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ بِالْخُفِّ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ فَلَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّ بِالْخُفِّ فَصَارَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حُكْمًا فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِذًا لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ لُبِسَ فَوْقَ مَخِيطٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ جُوخٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْ الرِّجْلِ وَجُعِلَ الْخُفَّ مَعَ جَوَازِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ الْحَدَثِ) هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لَا حِينَ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ) يَعْنِي كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ. . . إلَخْ) أَقُولُهُ وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى غَيْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُفُّ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ نُصْبِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ. . . إلَخْ) .

أَقُولُ قَيَّدَ الْجُرْمُوقَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أُدُمٍ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْكِرْبَاسِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُ اهـ.

وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْبَحْرِ.

(وَأَقُولُ) لَعَلَّ هَذَا التَّقْيِيدَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الثَّخِينِ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ مُنْفَرِدًا فَيَجُوزُ وَلَوْ لُبِسَ عَلَى خُفٍّ مِثْلِهِ أَوْ مِنْ أُدُمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ. . . إلَخْ)

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُفَّاهُ صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لِخَرْقِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوقَيْنِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْكَافِي، وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلُبْسٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ صَالِحٍ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْكِرْبَاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>