للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ النَّائِبُ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ وَحَقُّ الشَّرْعِ سَاقِطٌ عَنْهُ (وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ (وَتُحَدُّ جَالِسَةً) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَجَازَ الْحَفْرُ لَهَا) لِلرَّجْمِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ وَإِنْ تَرَكَ لَا بَأْسَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهَا (لَا لَهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ (وَلَا يَجْمَعُ) فِي الْمُحْصَنِ (بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْمَعْ (وَلَا) فِي الْبِكْرِ بَيْنَ (جَلْدٍ وَنَفْيٍ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَجْلِدُ مِائَةً وَيُغَرِّبُ سَنَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ التَّغْرِيبَ وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ تَمَامُ الْبَيَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ (إلَّا سِيَاسَةً) فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً غَرَّبَ بِقَدْرِ مَا يَرَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ) مُحْصَنٌ (زَنَى) لِأَنَّهُ شُرِعَ إتْلَافًا فَلَا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَلَا يُجْلَدُ) مَرِيضٌ حَدُّهُ الْجَلْدُ (حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَالْجَلْدُ فِي الْمَرَضِ رُبَّمَا يَكُونُ مُتْلِفًا (وَحَامِلٌ زَنَتْ) لَا تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يَجْنِ وَالْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا مُحْتَرَمٌ كَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ (تُرْجَمُ حِينَ وَضَعْت) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ خَرَجَ وَالْمَرَضُ لَا يُنَافِي إقَامَةَ الرَّجْمِ.

(وَ) إنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ (تُجْلَدُ بَعْدَ النِّفَاسِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ مِنْهُ

(بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» هَذَا حَدِيثٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ وَحَدِّهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا وَتَنْوِيعِهَا فَنَقُولُ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ (وَهِيَ) شُبْهَةٌ تَثْبُتُ (فِي الْفِعْلِ بِظَنِّ غَيْرِ الدَّلِيلِ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْحِلِّ (دَلِيلًا) وَهِيَ تَحَقُّقٌ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَا مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ كَقَوْمٍ سُقُوا خَمْرًا يُحَدُّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَمْرٌ لَا مَنْ لَا يَعْلَمُ (فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ) فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّ اتِّصَالَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ يُفِيدُ ظَنَّ أَنَّ لِلِابْنِ وِلَايَةُ وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَبِ كَمَا فِي الْعَكْسِ.

(وَ) أَمَةِ (امْرَأَتِهِ) فَإِنَّ غِنَى الزَّوْجِ بِمَالِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ يُورِثُ شُبْهَةَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مِلْكُ الزَّوْجِ.

(وَ) أَمَةِ (سَيِّدِهِ) فَإِنَّ احْتِيَاجَ الْعَبِيدِ إلَى أَمْوَالِ الْمَوَالِي إذْ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ يَنْتَفِعُونَ بِهِ مَعَ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ بَيْنَ مَمَالِيكِ مَوْلًى وَاحِدٍ وَمَعَ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِالْجَهْلِ مَظِنَّةً لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّ وَطْءِ إمَاءِ الْمَوْلَى

(وَ) وَطْءِ (الْمُرْتَهِنِ) الْأَمَةَ (الْمَرْهُونَةَ) فَإِنَّ مَالِكِيَّةَ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ مِلْكُ يَدٍ يُفِيدُ ظَنَّ حِلِّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ) أَيْ إلَى ثُنْدُوَتِهَا وَالثَّنْدُوَةُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ وَالدَّالُ مَضْمُومَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِشُرَاحَةَ) أَيْ الْهَمْدَانِيَّةِ بِسُكُونِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ هُوَ الْإِيجَابُ وَقَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ أَمْرٍ وَإِلَّا كَانَتْ مُنَاقَضَةٌ غَرِيبَةٌ فَإِنَّ مِثْلَهَا إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ أَمَّا مَعَهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ فَغَرِيبٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا جَلْدُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَاحَةَ ثُمَّ رَجْمُهَا فَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إحْصَانُهَا إلَّا بَعْدَ جَلْدِهَا أَوْ هُوَ رَأْيٌ لَا يُقَاوِمُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ تُرْجَمُ حِينَ وَضَعَتْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَأْخِيرُهُ أَيْ الرَّجْمِ إلَى اسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ الْمُرَبِّي لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الْوَطْءُ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]

(بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (قَوْلُهُ فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ) الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) لَوْ قَالَ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ (قَوْلُهُ وَأَمَةِ امْرَأَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا لَا تُحَدُّ الْمَوْطُوءَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا تَحَقَّقَتْ فِي الْفِعْلِ نَفَتْ الْحَدَّ عَنْ طَرَفَيْهِ اهـ.

وَمَتَى ادَّعَى شُبْهَةً بِغَيْرِ إكْرَاهٍ سَقَطَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَا يَسْقُطُ بِدَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْبَحْرِ

(قَوْلُهُ وَوَطْءِ الْمُرْتَهِنِ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ) جَعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْحُدُودِ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>