للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ) أَيْ بَيْتِ الزَّوْجِ (بِلَا حَقٍّ) حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِذَا عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ جَبْرًا، وَقَوْلُهُ " بِلَا حَقٍّ " احْتِرَازٌ عَنْ خُرُوجِهَا بِحَقٍّ كَمَا إذَا لَمْ يُعْطِهَا الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ (وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا بِالْمُمَاطَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ (وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (وَمَغْصُوبَةٍ) يَعْنِي أَخَذَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ فَاتَ (وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ) أَيْ بِلَا زَوْجٍ وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا (وَلَوْ) سَافَرَتْ (بِهِ) أَيْ بِالزَّوْجِ (فَنَفَقَةُ الْحَضَرِ) أَيْ الْوَاجِبُ هِيَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا (لَا غَيْرُ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ وَلَا الْكِرَاءِ (وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لِزَوْجَتِهِ (لَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُوسِرًا) لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا (لَا مُعْسِرًا) فِي الْأَصَحِّ.

(لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (بِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ) أَيْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ (غَائِبًا عَنْهَا حَقَّهَا) مَفْعُولُ " إيفَائِهِ " (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُوسِرًا) اعْلَمْ أَنَّ مُجَوِّزَ الْفَسْخِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إعْسَارُ الزَّوْجِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُثْبِتَ إعْسَارَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُمْهِلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُمَكِّنَهَا مِنْهُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ كَذَا فِي غَايَةِ الْقُصْوَى.

وَثَانِيهِمَا عَدَمُ إيفَاءِ الزَّوْجِ الْغَائِبِ حَقَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَلَوْ مُوسِرًا قَالَ فِي شَرْحِ غَايَةِ الْقُصْوَى: وَلَوْ غَابَ الزَّوْجُ حَالَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ وَلَكِنْ لَا يُوَفِّي حَقَّهَا فَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُطَالِبَهُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا، وَالثَّانِي ثُبُوتُ الْفَسْخِ، وَإِلَيْهِ مَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَنْ الرُّويَانِيِّ وَابْنِ أَخِيهِ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْفَتْوَى بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِعَجْزِهِ عَنْهَا، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ. . . إلَخْ.

أَقُولُ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا نَقَلَ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَائِبِ فَبِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ، وَكُلٌّ مِنْ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلَا يُعْرَفُ الْعَجْزُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِذَا رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ، نَعَمْ يَرُدُّ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ مَذْهَبُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

مَا يُشِيرُ إلَيْهِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسِنُونَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ

[نَفَقَة النَّاشِز]

(قَوْلُهُ: حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَا سَافَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ.

(قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ) سَوَاءٌ حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ، أَوْ بَعْدَهَا قَدَرَتْ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ لَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا لِمَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِ لَوْ حَبَسَهَا هُوَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمَّا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَذَا أَيْ عَدَمُ النَّفَقَةِ بِحَبْسِ غَيْرِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْحَبْسِ.

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ فَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ: وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا كَمَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ) يَعْنِي الْمَمْلُوكَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخُلَاصَةِ بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: لَوْ مُوسِرًا) الْيَسَارُ مُقَدَّمٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا نِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ) وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا لَكِنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ. . . إلَخْ) فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَقَالَتْ: إنَّهُ يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبَتْ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخَذَ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>