للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْأَيْمَانِ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا (الْيَمِينُ) لُغَةً: الْقُوَّةُ، وَشَرْعًا: (تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ التَّعْلِيقُ) يَعْنِي تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ نَحْوَ إنْ فَعَلْت فَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَكَذَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ (وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ) الْقِسْمِ (الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ) أَيْ الْأَيْمَانُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْهَا كَالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا، وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ أَلِأَحْكَامِ عَلَيْهَا تَرَتُّبُ الْمُؤَاخَذَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْغَمُوسِ وَعَدَمُهَا عَلَى اللَّغْوِ، وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُنْعَقِدَةِ إحْدَاهَا الْيَمِينُ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ فِي الْعُقْبَى (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى كَذِبٍ يَعْلَمُ كَذِبَهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَكُونُ لَغْوًا كَمَا سَيَأْتِي (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا عَالِمًا بِفِعْلِهِ وَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَى دَيْنٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَوَاللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ) الْمَشْهُورُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْغَمُوسَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مَاضٍ كَاذِبًا عَمْدًا، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ وَالْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَإِيرَادُ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفٍ ارْتَكَبَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَلِفُ عَلَى الْفِعْلِ قُلْت يُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاضِي أَوْ الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذَا الْحَلِفِ بَاطِلٌ لِتَعَيُّنِ إرَادَةِ الْحَالِ فَتَدَبَّرْ.

وَبَيَّنَ حُكْمَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [أَنْوَاع الْيَمِين]

(قَوْلُهُ: الْيَمِينُ لُغَةً الْقُوَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ: لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ لُغَةً

(تَنْبِيهٌ) : لِبَيَانِ مَفْهُومِهِ وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ فَأَمَّا مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ وَتَرْكُ لَفْظِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ، وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَجُمْلَةٌ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ، كَحَلَفْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أَحْلِفُ، وَالِاسْمِيَّةِ مُقَدَّمَةِ الْخَبَرِ: كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مُؤَخَّرَتِهِ نَحْوَ: لَعَمْرُك لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِجُزْأَيْهَا وَمِنْهُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ فَإِنَّ الْحَرْفَ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ، وَالْقَسَمُ، وَالْعَهْدُ، وَالْمِيثَاقُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْيَمِينُ.

وَخَرَجَ بِإِنْشَائِيَّةٍ نَحْوُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَانْفِرَادِ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ وَانْفِرَادِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ.

وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَرُكْنُهَا: اللَّفْظُ الْخَاصُّ وَشَرْطُهَا: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ وُجُودَهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إذَا انْعَقَدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلِ، وَالْبِرِّ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا، وَنَدْبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ جَائِزًا وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَحْرُمُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ تَقْوِيَةُ أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ وَلِكَوْنِ التَّقْوِيَةِ لِمُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ لَا ذَاتِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيقُ) عَطْفٌ عَلَى تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ يُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ، فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ يُؤَكَّدُ بِهَا مَضْمُونُ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ ظَاهِرًا الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامِ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلَ: إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ مَنْ دَخَلَتْ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا أَيْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا. . . إلَخْ) أَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّ الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي صَادِقًا كَاللَّغْوِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِهِ (قَوْلُهُ: الْغَمُوسُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: الْغَمُوسُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: إحْدَاهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) عَلَى الْوَصْفِ كَمَا فِي أَصَحِّ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي بَعْضِهَا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَهِيَ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، وَالْغَمُوسُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>