للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُرِهَ زِيَادَةُ نَفْلِ النَّهَارِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاللَّيْلِ عَلَى ثَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى الثَّمَانِ وَفِي صَلَاةِ النَّهَارِ إلَى الْأَرْبَعِ وَلَمْ تَرِدْ بِالزِّيَادَةِ فَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (رُبَاعُ) أَيْ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً وَعِنْدَهُمَا فِي النَّهَارِ رُبَاعُ وَفِي اللَّيْلِ مَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنَى.

(لَا يُصَلَّى) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ (لَا يَسْتَفْتِحُ) أَيْ لَا يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَجْدَةِ السَّهْوِ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِيهَا (وَالْبَوَاقِي) مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ مَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ (يُصَلِّي وَيَسْتَفْتِحُ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا يُعْتَبَرُ صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا.

(طُولُ الْقِيَامِ أَوْلَى مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامِ، وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكْثُرُ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكْثُرُ التَّسْبِيحُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ.

(وَسُنَّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْقُعُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسَ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» (وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُهَا)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَلْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ فِي السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ لَا؟ الثَّانِيَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا مِنْهَا هَلْ يُؤَدِّي الْكُلَّ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ هَلْ يُنْدَبُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَانِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ دَلِيلِ كُلٍّ وَالثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تَجَوَّزَ فِيهِمَا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ زِيَادَةُ نَفْلِ النَّهَارِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا التَّفْصِيلُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ تَصْحِيحَ السَّرَخْسِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَوْلِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا بَلْ تَصْحِيحٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ اهـ.

وَلَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي بَحْرِهِ أَنَّهُ رَدَّ فِي الْبَدَائِعِ تَصْحِيحَ السَّرَخْسِيِّ، وَقَالَ فِيهَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ.

(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ قَالَ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ قَالَ أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّنَفُّلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْرَدَ عَلَيْهِ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُصَلَّى عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلُهَا فَفَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ عَقِبَهُ مَقْصُورًا، وَكَذَا الْعِشَاءَ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَةِ الْأُولَى أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا اهـ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا فِي النَّهَارِ رُبَاعُ وَفِي اللَّيْلِ مَثْنَى) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ نَهَارًا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَثْنَى لَيْلًا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَا لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّيْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ اهـ.

وَبِقَوْلِهِمَا إنَّ الْأَفْضَلَ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى يُفْتَى اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ نَقَلَهُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْعُيُونِ.

(تَتِمَّةٌ) : قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: ١٦] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . اهـ.

(قَوْلُهُ طُولُ الْقِيَامِ أَوْلَى مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَصَحَّحَهُ الْبَدَائِعُ وَنَسَبَ مَا قَابَلَهُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْهُ أَيْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَجْهُهُ.

[تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ]

. (قَوْلُهُ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُهَا) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ تَنُوبُ عَنْهَا بِلَا نِيَّةِ التَّحِيَّةِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْبُغْيَةِ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>