للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ لَا بِالْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَا بِالنَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

. (وَ) حَرُمَ (عَقْرُ دَابَّةٍ شَقَّ نَقْلُهَا) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِرُهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يَتْرُكُهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) أَمَّا الذَّبْحُ فَلِأَنَّهُ جَازَ لِمَصْلَحَةٍ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ مِنْ أَقْوَى الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا الْحَرْقُ فَلِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا الْكُفَّارُ فَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا، وَيُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا وَمَا لَا يُحْرَقُ كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ.

. (وَ) حَرُمَ (قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ) أَيْ قِسْمَةُ غَنِيمَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ (إلَّا بِالْإِيدَاعِ) فَيُرَدُّ هَاهُنَا وَيُقْسَمُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْنَا بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ ظَاهِرًا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَآ ثُمَّ تَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ وَثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» اهـ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْحَقَائِقِ إنَّ مُفَادَاةَ أَسِيرِهِمْ بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا. اهـ. فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ) أَيْ لِقِيَامِ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ مَحْمَلُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ، وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا) أَيْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ إنَّ الْمُفَادَاةَ بِالْمَالِ غَيْرُ جَائِزَةٍ اتِّفَاقًا. اهـ.

وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمَجْمَعِ عَلَى عُمُومِهِ خَالَفَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ عِنْدَ قِيَامِ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهَا.

(قَوْلُهُ: وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) لَمْ يَزِدْ حُكْمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَرُمَ مَنُّهُمْ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ وَكَذَا جَمَعَ فِي الْكَنْزِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالرَّدِّ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْمَنُّ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا أَنْعَمَ وَاصْطَنَعَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً. اهـ. وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي حُكْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَعَقْرُ دَابَّةٍ. . . إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ شَقَّ إخْرَاجُهُمْ فَيُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَقَعُ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا بِدَارِ الْحَرْبِ فِي رِحَالِهِمْ يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلَا يَقْتُلُونَهَا إبْقَاءً لِمَا يَضُرُّ بِالْكُفَّارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

[قِسْمَة الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب قَبْل إخْرَاجهَا إلَى دَار الْإِسْلَام]

(قَوْلُهُ وَحَرُمَ قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ) لَا يُنَاسِبُ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَالْحُرْمَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمِلْكِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَالْقُدُورِيِّ هَكَذَا وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ.

وَالْمَسَائِلُ الْإِفْرَادِيَّةُ الْمَوْضُوعَةُ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مِثْلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا يُورَثُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَمَّا إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهَا قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ) قَالَ فِي الْكَافِي النَّسَفِيِّ مِنْهَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَيُقْسَمُ الْوَلَدُ وَالْأَمَةُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. اهـ.

وَتَبِعْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْجِهَادِ مِنْ الْكَافِي خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَنَفَى لُزُومَ الْعُقْرِ بِوَطْئِهَا فَتَنَاقَضَ حَيْثُ قَالَ وَطِئَ أَمَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا عُقْرَ فِي الْوَطْءِ لِأَنَّ الثَّابِتَ مُجَرَّدُ الْحَقِّ إذْ الْمِلْكُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ كَالْجُزْءِ وَإِتْلَافُ الْكُلِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَإِتْلَافُ الْجُزْءِ أَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ يُقْتَصُّ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ الْغُرْمُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْغُرْمُ. اهـ.

وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ حَيْثُ نَفَى الْعُقْرَ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ مَنَافِعِ بَعْضِهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا مِلْكُ الْغَانِمِينَ أَصْلًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>