للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا عَلَى الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَتُؤْمَرُ) أَيْ الْمَرْأَةُ (بِالِاسْتِدَانَةِ) أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي: اسْتَدِينِي عَلَى زَوْجِكِ أَيْ اشْتَرِي الطَّعَامَ نَسِيئَةً عَلَى أَنْ تَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ (فَرَضَ نَفَقَةَ الْعِسَارِ) لِكَوْنِهِمَا مُعْسِرَيْنِ (فَأَيْسَرَ) الزَّوْجُ (تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ يَسَارِهِ إنْ طَلَبَتْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْعِسَارِ وَمَا قُضِيَ بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا، وَهُوَ مَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ (وَتَسْقُطُ مَا مَضَتْ) مِنْ النَّفَقَةِ (إلَّا إذَا فُرِضَتْ، أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ) أَيْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ فَلَا تَتَأَيَّدُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ كَالْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ.

(وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَوْ طَلَاقِهَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ) يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَكِنْ لَمْ تُؤْمَرْ الْمَرْأَةُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَمَضَتْ شُهُورٌ وَلَمْ تَأْخُذْهَا سَقَطَتْ الْمَفْرُوضَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَأَكَّدُ كَمَا مَرَّ (وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ.

(يُبَاعُ الْقِنُّ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ (مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) مَثَلًا عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ - وَهِيَ قِيمَتُهُ، وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ - يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى.

(وَتَسْقُطُ) أَيْ النَّفَقَةُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَقَتْلِهِ) وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ.

(وَ) يُبَاعُ (فِي دَيْنٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ (مَرَّةً) فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ فَبِهَا، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دَيْنًا آخَرَ حَادِثًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَكِنَّ الْمُكَاتَبَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

أَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ، أَوْ ابْنٌ مُوسِرٌ، أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ لِمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ نَفَقَتَهَا حِينَئِذٍ عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي. . . إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرُ الْخَصَّافِ الِاسْتِدَانَةَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً، وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ وَفَائِدَةُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ رُجُوعُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: فَأَيْسَرَ الزَّوْجُ تَمَّمَ) كَذَا عَكْسُهُ لَوْ أَعْسَرَ يَسَّرَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ مَا مَضَتْ) لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ زَمَنِهِ وَذَلِكَ شَهْرٌ كَمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنْ غَابَ عَنْهَا شَهْرًا، أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَقَدْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ اهـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) سُقُوطُهَا بِالْمَوْتِ قَوْلٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقِهَا) ضَعِيفٌ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بَائِنًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِمَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُسْقِطُهَا اهـ.

وَلِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ اهـ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا تَرَى وَلِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ اهـ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وُجُوهًا لِتَضْعِيفِ الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ بَحْثًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. . . إلَخْ) قَاصِرٌ لِعَدَمِ شَرْحِهِ حُكْمَ السُّقُوطِ بِالطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُرَدُّ الْقَائِمَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَا يُسْتَرَدُّ مَا عُجِّلَ لَهَا سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا عَبْدٌ. . . إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ وَلَيْسَ بَلْ فِيمَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ مَنْقُولُ الْمُذْهَبِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي قَرِيبًا فِي الْفَرْقِ

[مُسْقِطَات النَّفَقَة]

(قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ وَقَتْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ أَنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلُّ لَا إلَى خَلَفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>