للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي زَمَانَ الْقَحْطِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ رَغْبَةً فِي الثَّمَنِ الْغَالِي فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ وَقِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَجِيءَ الْبَادِي بِالطَّعَامِ إلَى مِصْرٍ فَيَتَوَكَّلُ الْحَاضِرُ عَلَى الْبَادِي وَيَبِيعُ الطَّعَامَ وَيُغَالِي السِّعْرَ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَبَاعَ بِنَفْسِهِ وَرَخَّصَ فِي السِّعْرِ (وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «وَوَهَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرِكْ أَدْرِكْ» وَيَرْوِي «اُرْدُدْ اُرْدُدْ» وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ، وَالْكَبِيرُ يُنْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ قَرِيبِ الْقَرَابَةِ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ) إذْ لَيْسَ هُنَا تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَيْهِمَا (وَالزَّوْجَيْنِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ قُرْبٍ وَلَا قَرِيبٍ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ مَكْرُوهٌ (أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ لَا فِي صُلْبِهِ وَلَا فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بَلْ الْكَرَاهَةَ (وَلَا يَجِبُ فَسْخُهُ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الْفَاسِدِ لِدَفْعِ الْحُرْمَةِ وَلَا حُرْمَةَ هَاهُنَا (وَيَمْلِكُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَذَرًا عَنْ تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ وَلَا فَسَادَ هَاهُنَا (وَيَجِبُ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ) إنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لَا وُجُوبُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ.

(بَابُ الْإِقَالَةِ)

(هِيَ) لُغَةً الْإِسْقَاطُ وَالرَّفْعُ وَشَرْعًا (رَفْعُ الْبَيْعِ وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ) فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْإِقَالَةُ تَثْبُتُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرُ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَقِلْنِي وَيَقُولُ صَاحِبُهُ أَقَلْتُكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ كَالْبَيْعِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي.

وَفِي الْفَتَاوَى اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَتَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ) فِي التَّجْرِيدِ يَتَوَقَّفُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجْلِسِ وَكَمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا فِي مَجْلِسِهَا نَصًّا بِالْقَوْلِ يَصِحُّ قَبُولُهَا دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فَوْرَ مَقَالَةِ الْمُشْتَرِي (وَهِيَ فَسْخُ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُمْ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بَلْ وَجَبَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ تُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَيْنًا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[تَلَقِّي الْجَلَبِ]

قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا) كَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ وَلَهُ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا وَبَيْعُهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ.

[بَابُ الْإِقَالَةِ]

قَالَ: الْعَيْنِيُّ هِيَ مَصْدَرٌ مِنْ أَقَالَ أَجْوَفُ يَائِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْقَلْعُ وَالرَّفْعُ اهـ.

وَقَالَ: الْكَمَالُ قِيلَ: الْإِقَالَةُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ كَشَكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدَفَعَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا أَقِلْته بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ اللُّغَةِ قَالَ الْبَيْعَ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ اهـ.

وَكَذَا ذَكَرَ مِثْلَهُ الْعَيْنِيُّ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ.

(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَادَّةُ قَافْ لَامْ بَلْ لَوْ قَالَ تَرَكْتُ الْبَيْعَ وَقَالَ الْآخَرُ رَضِيتُ أَوْ أَجَزْتُ تَمَّتْ وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُكَ وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُكَ. اهـ.

فَقَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ اهـ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرَ جَوَازِهَا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ دُونَ الْمُتَارَكَةِ وَالدَّلَالَةِ بَلْ الِاحْتِرَازُ عَنْ عَدَمِ حُصُولِهَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: الْإِقَالَةُ تَثْبُتُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْمَاضِي) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ) جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَابِلًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ مَتْنًا وَيُرَجِّحُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَوْنُ الْإِمَامِ مَعَهُ عَلَى مَا فِي قَاضِي خَانْ

<<  <  ج: ص:  >  >>