للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّابِقِ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إخْبَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا

[بَابُ الْمُضَارَبُ بِلَا إذْنٍ]

(بَابٌ ضَارَبَ بِلَا إذْنٍ)

أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ (لَمْ يَضْمَنْ) بِالدَّفْعِ (مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي) وَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ الدَّافِعُ رِبْحَ الثَّانِي أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ.

(وَفِي رِوَايَةٍ) لَمْ يَضْمَنْ (مَا لَمْ يَرْبَحْ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ فَلَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ مَا لَمْ يَرْبَحْ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ فَيُقَامُ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ حُصُولِهِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ لَهُ بَلْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ (وَإِنْ أَذِنَ) أَيْ الْمَالِكُ (فَدَفَعَ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ وَقِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ) يَعْنِي بَعْدَمَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَرَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى إنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ (فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِيَّ الثُّلُثُ) لِأَنَّ دَفْعَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً صَحِيحٌ حَيْثُ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ وَمَا رَزَقَ اللَّهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَكَانَ لَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَلْ مَا أَوْجَبَهُ لِلثَّانِي وَهُوَ ثُلُثُ الرِّبْحِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَيَبْقَى لَهُ السُّدُسُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ مَنْ يَخِيطُهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَابَ لِلْأَوَّلِ الْفَضْلُ كَذَا هَذَا

(وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ) فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ (فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمَالِكِ نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ بَلْ نِصْفَ مَا يَحْصُلُ لِلْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ فَاسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ مَا شَرَطَ لَهُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ ذَلِكَ وَلِذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا (وَلَوْ قِيلَ مَا رَبِحْتَ) مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ لِي غَيْرُهُ بِالنِّصْفِ (فَلِلثَّانِي نِصْفٌ وَلَهُمَا) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ (نِصْفٌ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَاسْتَحَقَّهُ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ الْأَوَّلُ إلَّا النِّصْفَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ قِيلَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ شَرِكَةً لَهُ فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ) ظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي قِيلَ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ يَعْنِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ بِالدَّفْعِ وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ اهـ قُلْت وَلَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا لَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا) يَعْنِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا قَالَ أَوْ عَلَيْهِمَا بِالرِّبْحِ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ وَعَنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً. اهـ. لِأَنَّ صِحَّةَ الثَّانِيَةِ فَرْعٌ عَنْ صِحَّةِ الْأُولَى فَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً فَاشْتِرَاطُ صِحَّةِ الثَّانِيَةِ اشْتِرَاطٌ لِصِحَّةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ مُضَارَبَةً) الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَبِالثَّالِثِ الثَّانِي وَسَمَّاهُمَا ثَانِيًا وَثَالِثًا بِالنَّظَرِ لِرَبِّ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ) لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْمُضَارِبَيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ لِتَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُعْلَمُ صَرِيحًا مَا بِهِ يَطِيبُ نَصِيبُ الثَّانِي فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ طِيبِ مَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ لِمِلْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ) إنَّمَا قَالَ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَمَا بَقِيَ فَلِمَنْ بَقِيَ مُنَصَّفًا مُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِ التَّنْصِيفِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>