للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالتَّمْلِيكِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّمْلِيكِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغَنِيِّ مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ

(وَنَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ الْجِوَارِ (لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى قَرِيبِهِ وَإِلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ أَوْ زِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَلَوْ نَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ جَازَ وَإِنْ كُرِهَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ (وَنُدِبَ دَفْعُ مُغَنِّيهِ) عَنْ سُؤَالِ يَوْمٍ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

الْإِغْنَاءَ الْمُحَرِّمَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَيَشْمَلُ الْمُوجِبَ لَهَا وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فَيُكْرَهُ دَفْعُ عَرْضٍ يُسَاوِي نِصَابًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْغِنَى الْمُوجِبَ لِلزَّكَاةِ لَا الْمُحَرِّمَ لِأَخْذِهَا فَلَا يُكْرَهُ وَإِلَّا دَفَعَ غَيْرَ الْعَرْضِ مِنْ النَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِمِلْكِهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهَا إلَى انْتِهَاءِ الْحَوْلِ وَهُوَ مَفْهُومُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ جَازَ. اهـ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا أَوْ ذَا عِيَالٍ فَلَوْ كَانَ ذَا عِيَالٍ بِحَيْثُ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُ كُلًّا نِصَابٌ أَوْ لَا يَفْضُلُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ نِصَابٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغِنَى عَنْ التَّمْلِيكِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا بَلْ هُمَا كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ يَقْتَرِنَانِ وَأَجَابَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ عِلَّةُ الْغِنَى فَكَانَ الْغِنَى مُضَافًا إلَى الْأَدَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَكَانَ الْأَدَاءُ شُبْهَةَ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ حَقِيقَةً وَمَا يُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ الْعِلَلِ لَهُ شُبْهَةُ التَّقَدُّمِ. اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ الْحُكْمُ يَتَعَقَّبُ الْعِلَّةَ فِي الْعَقْلِ وَيُقَارِنُهَا فِي الْوُجُودِ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأَخُّرِ الْعَقْلِيِّ جَازَ وَبِالنَّظَرِ إلَى التَّقَارُنِ الْخَارِجِيِّ يُكْرَهُ

[نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ]

(قَوْلُهُ: وَنَقْلُهَا) أَيْ مِنْ مَكَانِ الْمَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَكَانُ الرَّأْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مُرَاعَاةً لَا يُجَابُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ وُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبُ أَدَائِهَا أَيْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ هُوَ أَيْ الْمَوْلَى كَمَا اخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ وَيَرْجِعُ أَبُو يُوسُفَ إلَى وُجُوبِهَا حَيْثُ هُمْ كَالزَّكَاةِ. اهـ.

فَقَدْ اُعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَوْلَى وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَتَصْحِيحِ الْكَمَالِ خِلَافُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى فَوَجَبَ الْفَحْصُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهَا وَالْمَنْقُولُ مِنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَكَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِمَكَانِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ مُوَافِقًا لِتَصْحِيحِ الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت قَدْ ظَفَرْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى نَصِّ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ فَوَضَحَ بِهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَحْرِ قَالَ الْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي أَنَّهُ اعْتَبَرَ هَاهُنَا مَكَانَ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ عَنْ رَأْسِهِ فَحَيْثُ كَانَ رَأْسُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَرَأْسُ مَمَالِيكِهِ فِي حَقِّهِ كَرَأْسِهِ فِي وُجُوبِ الْمُؤْنَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الصَّدَقَةِ فَتَجِبُ حَيْثُمَا كَانَتْ رُءُوسُهُمْ وَالزَّكَاةُ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي الْمَالِ فَلِهَذَا إذَا هَلَكَ سَقَطَتْ فَاعْتُبِرَ بِمَكَانِهِ. اهـ.

وَكَذَا نَصَّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي النِّهَايَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: وَأَمَّا مَكَانُ الْأَدَاءِ فَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهَا بِمَكَانِ الْمَالِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَقُولُ عَدَمُ كَرَاهَةِ النَّقْلِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُفْتَى بِالْأَدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وُجِدَ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا نَقْلُهَا لِمَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ بِتَعْلِيمٍ مِنْ فُقَرَاءِ بَلَدِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِبَلَدٍ آخَرَ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

(تَنْبِيهٌ) : قَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِهَا أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. اهـ.

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْإِخْوَةِ شُمُولَ الْأَخَوَاتِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَالنَّذْرِ الصَّرْفُ أَوَّلًا إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ إلَى الْجِيرَانِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ حِرْفَتِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ. اهـ.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْكَمَالِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَخْوَالِهِ ذُو رَحِمٍ أَبْعَدَ مِمَّا ذَكَرَ قَبْلَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ. اهـ. هَذَا وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ دَفْعُ مُغْنِيَةٍ عَنْ سُؤَالِ يَوْمٍ) ظَاهِرُهُ تَعَلُّقُ الْإِغْنَاءِ بِسُؤَالِ الْقُوتِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدُهْنٍ وَثَوْبٍ وَكِرَاءِ مَنْزِلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا صَارَ هَذَا أَحَبَّ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>