للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) فَنِسْبَتُهُ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ

(فَصْلٌ) . (فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَاسْتُحِبَّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ لِيَزِيدَ قُوتُهُ وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا لِقَصْدِ قُوَّةِ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ دَفْعِ اسْتِحْيَاءِ ضَيْفِهِ وَكُرِهَ لَحْمُ الْأَتَانِ وَلَبَنُهَا) وَهِيَ أُنْثَى الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ، بِخِلَافِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، فَإِنَّهُ وَلَبَنَهُ حَلَالٌ وَلَمْ يَقُلْ حَرُمَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ (كَذَا لَحْمُ الْخَيْلِ وَلَبَنُهُ) مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (خِلَافًا لَهُمَا وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) قِيلَ: صُورَةُ الْإِدْهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ.

كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ ثُمَّ قِيلَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَوَانِيَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسْبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُكِلَ الطَّعَامُ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِأَجْلِ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ مِنْهَا وَوُضِعَ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأُكِلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا فِي الْأَوَانِي الصَّغِيرَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاعِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِمْ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ فَتَدَبَّرْ (كَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَتِهِمَا وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا وَنَحْوُهُمَا) مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ.

(وَحَلَّ) الْأَكْلُ (مِنْ إنَاءٍ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ، وَ) إنَاءٍ (مُفَضَّضٍ، وَ) حَلَّ (جُلُوسُهُ عَلَى) سَرِيرٍ وَسَرْجٍ (مُفَضَّضٍ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) ، فَإِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَوْ السَّرِيرِ أَوْ السَّرْجِ أَوْ نَحْوِهِ مُفَضَّضًا إنَّمَا يَحِلُّ إذَا اتَّقَى مَوْضِعَ الْفِضَّةِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[فَصْلٌ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ]

(فَصْلٌ) .

(قَوْلُهُ: فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ) أَيْ وَكَذَا الشُّرْبُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَفِي إطْلَاقِ الْأَكْلِ إشَارَةٌ إلَى فَرْضِيَّةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَالِ الْغَيْرِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَإِنْ ضَمِنَ مَالَ الْغَيْرِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَقْوَى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ) أَيْ مِنْ حِلٍّ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَاحَ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالِاخْتِيَارِ.

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا. . . إلَخْ) كَذَا لَا بَأْسَ بِالزَّائِدِ لِيَتَقَيَّأَ بِهِ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ وَيَتَقَيَّأُ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَلَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا أَكَلَتْ الْمَرْأَةُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السِّمَنِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ الشِّبَعِ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَكُرِهَ كَمَا قَالَ فِي لَحْمِ الْأَتَانِ لِلْخِلَافِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: كَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَتِهِمَا) مُسْتَفَادٌ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ فَكَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الشُّرْبِ فَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ لِاسْتِوَاءِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْجَامِعُ أَنَّهُ زِيُّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَنَعُّمُ الْمُتْرَفِينَ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْكُلَّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ

[الْأَكْلُ مِنْ إنَاءٍ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَإِنَاءٍ مُفَضَّضٍ]

(قَوْلُهُ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ) الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>