للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْرُوعِيَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ فَالدَّلِيلُ يُفِيدُ خِلَافَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالدَّلِيلُ يُفِيدُ فَسَادَهُ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ الْغَايَةَ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ لَا الْمَفْهُومِ، أَوْ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ إنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَ) صَحَّ بَيْعُ (ثَمَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَالًا أَوْ مَآلًا (وَلَزِمَ) عَلَى الْمُشْتَرِي (قَطْعُهَا) إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ (وَشَرْطُ إبْقَائِهَا) عَلَى الشَّجَرِ حَالَ الْبَيْعِ (يُفْسِدُهُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي (وَجَدَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ يَعْنِي إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فَلَهُ حَقُّ حَبْسِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا، فَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ فَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ.

وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ (قَبَضَ زُيُوفًا بَدَلَ الْجِيَادِ) يَعْنِي كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٍ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ فَأَتْلَفَهَا (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهَا زُيُوفٌ (إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً (فَلَا) أَيْ لَا يَرُدُّ وَلَا يَسْتَرِدُّ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لِعَدَمِ رِضَاهُ فَكَانَ النَّظَرُ فِيمَا عَيَّنَاهُ، وَلَهُمَا أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ حَصَلَ بِقَبْضِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَبَعْدَ الْعِلْمِ حَقُّهُ فِي فَسْخِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِهَلَاكِ مَا بِهِ حَصَلَ الْقَضَاءُ إنَّمَا قَالَ زُيُوفًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً تُرَدُّ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ عَلِمَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عِنْدَ الْقَبْضِ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ سَقَطَ حَقُّهُ (اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ مُفْلِسًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَقْتَسِمُونَهُ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ قَبَضَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ اتِّفَاقًا.

(بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ تَارَةً يَكُونُ لَازِمًا وَأُخْرَى غَيْرَ لَازِمٍ، وَاللَّازِمُ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَغَيْرُ اللَّازِمِ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَلِكَوْنِ اللَّازِمِ أَقْوَى قَدَّمَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ أَصْلِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ وَأَرَادَ بِالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَأَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ أَنْوَاعٌ: فَاسِدٌ وِفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَبَدًا، وَجَائِزٌ وِفَاقًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (جَازَ) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ (لِلْمُتَبَايِعَيْنِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (مَعًا) فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ فَأَتْلَفَهَا) لَفْظَةٌ زَائِدَةٌ بِحَذْفِهَا تَسْتَقِيمُ الْعِبَارَةُ إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ الْمُتْلَفِ.

[بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ]

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ) أَقُولُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْفَسْخِ عِنْدَنَا لَا الْإِجَازَةِ فَإِذَا فَاتَ الْفَسْخُ لَزِمَ الْعَقْدُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْإِجَازَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ) أَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ فَمَنْعُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً فِيهِ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ حَدُّ مَا فِيهِ التَّعْيِينُ غَيْرُ مَمْنُوعِ الْحُكْمِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ أَيَّامٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَك إقَالَةُ هَذَا الْبَيْعِ اهـ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا) أَقُولُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنْ يَصِحَّ وَيُصْرَفَ إلَيْهَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَرْفًا عَنْ إلْغَائِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا) أَقُولُ لَوْ قَالَ فَلَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>