مَا لَمْ يَرْضَيَا (وَلِأَحَدِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا) كَمَا سَيَأْتِي (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ إلَى آخِرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ «إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ لَكِنَّهُ جُوِّزَ بِهَذَا النَّصِّ الدَّالِ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِلَفْظِ بَايَعْت عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ (لَا أَكْثَرَ) ، وَقَالَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً (وَإِنْ أَجَازَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (فِيهَا) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (جَازَ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ (إنْ شَرَى) لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْفَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْوِقَايَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ خِيَارِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ بَلْ أَوْرَدَهُ عَقِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مَعْنًى (عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ وَإِلَى أَكْثَرَ لَا إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ) قَالُوا لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ، وَدَفَعَهُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَدَمُ جَوَازِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهَا أَيْضًا جَوَازُ إلْحَاقِ حُكْمٍ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَبِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ.
(وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ) لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ (فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ) فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (ضَمِنَ قِيمَتَهُ) لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ (وَيَخْرُجُ) الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ (بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي جَانِبِهِ بِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (ضَمِنَ الثَّمَنَ) فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِذَا امْتَنَعَ لَزِمَ الْعَقْدُ وَتَمَّ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَهُ يَهْلِكُ، وَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ كَمَا مَرَّ فَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ (وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَقَالَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَانَ مِلْكًا بِلَا مَالِكٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَرُجِّحَ هَذَا بِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ لَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِعَدَمِ تَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ (فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَقِيَ النِّكَاحُ) لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُزِيلِ لَهُ (الثَّانِي إنْ وَطِئَهَا) أَيْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ زَوْجَتَهُ (جَازَ لَهُ رَدُّهَا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَازَ فِيهَا جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ابْتِدَاءً إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُ الشَّرْطِ وَعِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَبِالْإِسْقَاطِ قِيلَ الرَّابِعُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ وَيَخْرُجُ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جَانِبِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute