للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا مِائَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ فِيمَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يُوجَدْ النَّذْرُ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَصِحُّ.

(نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى فُلَانٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ لَا تُعْتَبَرُ بَعْدَ حُصُولِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ.

(قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ فَسَكَتَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ.

(وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) أَيْ حَلِفُهُ يَعْنِي إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَالَ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ رُجُوعٌ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْأَيْمَانِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا، قَالَ مَشَايِخُنَا فِي تَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ: إخْرَاجُ الْعُقُودِ كُلِّهَا مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ يُسْتَثْنَى إذَا نَدِمَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] فَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَذْكُرْ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فِي أَوَّلِ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا بِهِ رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ وَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ حَاضِرًا فَأَرَادَ أَنْ يَغْوِيَ الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّك فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ، فَقَالَ لَهُ: أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِك إنْ تُخَالِفَ جَدِّي، فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مُلْكَك؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَالنَّاسُ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَخْشَوْنَ فَقَالَ: نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ

(بَابٌ حَلِفُ الْفِعْلِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا حَقِيقٌ بِأَنْ تُرَادَ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا يَحْنَثُ بِدُخُولِ صِفَتِهِ) لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ سَوَاءٌ كَانَ حِيطَانُهُ أَرْبَعَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصُّفَّةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ فَيَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا سِوَاهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَاتُ أَهْلِ الْكُوفَةِ (لَا) بِدُخُولِ (الْكَعْبَةِ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ الْبَيْتَ كَمَا عَرَفْت مَا بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ (أَوْ دِهْلِيزٍ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبْنَ لِبَيْتُوتَةٍ فِيهِ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً أَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِهِ بَيْتًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا سَبَقَ لَا يُقَالُ إذَا بِيتَ فِيهِ عَادَةً كَانَ بِنَاؤُهُ لِلْبَيْتُوتَةِ عَادَةً لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ (أَوْ ظُلَّةِ بَابِ دَارٍ)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حِجَّةٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) كَذَا نَذْرُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَانْقِطَاعِ التَّنَفُّسِ أَوْ سُعَالٍ وَسَوَاءٌ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عَلِمَ حُكْمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ

[بَابٌ حَلِفُ الْفِعْلِ]

(بَابُ حَلِفِ الْفِعْلِ) (قَوْلُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ الْعَقْدُ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَلْفَاظُ دُونَ الْأَغْرَاضِ اهـ.

وَلَعَلَّهُ قَضَاءً وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ دِيَانَةً فَلَا مُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ) يَعْنِي اللُّغَوِيَّةَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ صُفَّةٍ) لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهَا مُسَقَّفَةً وَقَالَ الْكَمَالُ يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا فِي صِفَافِ دِيَارِنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا السَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ أَيْ الْبَيْتِ وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ فَكَذَا الصُّفَّةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ) السَّقْفُ لَيْسَ شَرْطًا فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَقَّفًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَذَا دَاخِلًا وَقَالَ الْكَمَالُ إذَا أَطْلَقَ الْبَيْتَ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمَدَنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ اهـ.

(قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ) يُخَالِفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ سَابِقًا مِنْ الْحِنْثِ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْبَيْتِ وَكَذَا مَشَى الْكَمَالُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا مُخَالِفًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ الْحِنْثَ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ دُونَ الدِّهْلِيزِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَ وَجْهًا لِلْكَمَالِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ ظُلَّةُ دَارٍ وَهِيَ الَّتِي. . . إلَخْ) فَسَّرَ الظُّلَّةَ بِهَذَا لِتَكُونَ سَابَاطًا لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسَقَّفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ لِأَنَّهُ يَبَاتُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>