(كَذَا) قَوْلُهُ (حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ) لِلْغَلَبَةِ أَيْضًا (الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالِاعْتِكَافِ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ) فِي الْفُرُوضِ (فَلَا) يَلْزَمُ النَّاذِرَ (كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ، وَالرِّبَاطِ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِهَا) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ (نَذَرَ مُطْلَقًا) نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ (أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ) نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ قَدِمَ غَائِبِي (فَوُجِدَ) أَيْ الشَّرْطُ (وَفَى) أَيْ: عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» (أَوْ) نَذَرَ مُعَلِّقًا (بِمَا) أَيْ بِشَرْطٍ (لَا يُرِيدُهُ كَإِنْ زَنَيْتُ) فَعَلَيَّ كَذَا (وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى) يَعْنِي إنْ عَلَّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ ثُبُوتَهُ كَالزِّنَا وَنَحْوِهِ فَحَنِثَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ ثُبُوتَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ قَصْدُ الْمَنْعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَقُولُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا كَإِنْ زَنَيْت مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَخَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ، وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ أَقُولُ لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ هُوَ الْحَرَامُ بَلْ وُجُودُ دَلِيلِ التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ نَذْرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَمِينًا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ التَّخْيِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ بِالضَّرُورَةِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ.
(نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ يَمْلِكُهَا وَفَى بِهَا وَإِلَّا أَثِمَ وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي (نَذَرَ لِفُقَرَاءَ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِخُصُوصِ الْمَكَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ.
(نَذَرَ بِتَصَدُّقِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِ الْخُبْزِ) مِمَّا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (أَوْ) تَصَدَّقَ (بِثَمَنِهِ جَازَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ خُصُوصَ الْخُبْزِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ.
(قَالَ: إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا) ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ، وَالدَّالُ عَلَيْهِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ.
(نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَعْبَانَ مَثَلًا فَأَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا قَضَاهُ وَحْدَهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَإِنْ قَالَ فِي نَذْرِهِ مُتَتَابِعًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ الْأَيَّامِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ.
(نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
تَنْبِيهٌ) : إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَقَدْ حَلَفَ بِالصِّيغَةِ الْعَامَّةِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: كَذَا قَوْلُهُ: حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ) مِنْ الْهِدَايَةِ وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلُ فِي الْفُرُوضِ) أَيْ أَصْلٌ مَقْصُودٌ لِيَخْرُجَ الْوُضُوءُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: لَزِمَ النَّاذِرَ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ أَوْ عَيَّنَ كَمَا سَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَجْزَأَهُ التَّصَدُّقَ بِغَيْرِهَا عَنْهَا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ) أَيْ بِمَا نَذَرَ وَلَا يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ اهـ.
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ بِفَرْضِيَّةِ الْإِيفَاءِ بِالْمَنْذُورِ لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ يُفْتَى بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ إيفَائِهِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ وَبِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ عَيْنُ مَا نَذَرَهُ، وَفِي الثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إيفَائِهِ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِينَ فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَرِ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَلَا يَنْفَعُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَرَدَدْتُ تَنْظِيرَهُ بِرِسَالَةٍ بَيَّنَتْ صِحَّةَ حَصْرِ الصِّحَّةِ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَتَخَيَّرُ النَّاذِرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِعَيْنِ الْمَنْذُورِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فِيمَا إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاسْمُ الرِّسَالَةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ وَإِسْعَافُ النَّاذِرِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ بِالتَّخْيِيرِ.
(قَوْلُهُ: نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ
(قَوْلُهُ: قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ) كَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقُولَ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا) كَذَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَالَ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا فَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ شَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ بِفِطْرِهِ يَوْمًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ. . . إلَخْ)
قَالَ قَاضِي خَانْ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَتَصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلْفَ حِجَّةٍ