للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (، كَذَا الْخُطْبَةُ) أَيْ الْمُؤْتَمُّ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ وَيُنْصِتُ (وَإِنْ صَلَّى) الْخَطِيبُ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا قَرَأَ صَلُّوا عَلَيْهِ فَيُصَلِّي) الْمُسْتَمِعُ (سِرًّا) وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ هَكَذَا لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ خَطَبَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُمْكِنُ الدَّفْعِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤْتَمُّ بِمَعْنَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْتَمَّ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ أَوْ خَطَبَ عَطْفًا عَلَى قَرَأَ الْمَحْذُوفُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ فَالْمَعْنَى لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا قَرَأَ إمَامُهُ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا خَطَبَ إمَامُهُ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ لَكِنْ غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ فَقُلْتُ، كَذَا الْخُطْبَةُ. . . إلَخْ لِئَلَّا يُرَدَّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ (وَالْبَعِيدُ) عَنْ الْخَطِيبِ (كَالْقَرِيبِ) فِي وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ.

(الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) ، وَقِيلَ فَرْضٌ (لِلرِّجَالِ)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

وَقَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَلَيْسَ مُقْتَضَى أَقْوَاهُمَا الْقِرَاءَةَ بَلْ الْمَنْعَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) أَقُولُ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُمْكِنُ الدَّفْعِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ الْمُؤْتَمِّ فِي حَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ وَمَجَازِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ قُلْت وَبَقِيَ مِنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ كَلَامَ الْكَنْزِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِقَوْلِهِ أَوْ خَطَبَ عَطْفٌ عَلَى قَرَأَ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ قَائِمَةً مُقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ نَزَلَ مَنْ حَضَرَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤْتَمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ أَوْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَا اتِّجَاهَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِانْعِدَامِ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْ اهـ.

وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ فَقُلْتُ، كَذَا الْخُطْبَةُ) أَقُولُ، وَكَذَا غَيَّرَهَا فِي النُّقَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ.

[حُكْم صَلَاة الْجَمَاعَة]

(قَوْلُهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ هُوَ الْأَصَحُّ) وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ.

وَفِي الْغَايَةِ لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالسِّلَاحِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ نَضْرِبُهُمْ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ اهـ.

وَالْجَمَاعَةُ مَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا، كَذَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ صَفْحَةٍ وَإِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِلْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا يَتَّبِعُهَا وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانَا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ فَرْضٌ) أَقُولُ فَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ اهـ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ.

وَالْقَائِلُ بِالْفَرْضِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُهَا لِلصِّحَّةِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِمُصَنِّفِهَا ابْنِ وَهْبَانَ وَبَقِيَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ عَنْ الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ.

وَفِي التُّحْفَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ اهـ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّة لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ اهـ.

وَبَقِيَ قَوْلٌ خَامِسٌ هُوَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ بِصِيغَةِ، وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إلَّا بِعُذْرٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ.

(قَوْلُهُ لِلرِّجَالِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قُلْت هَذَا الشَّرْطُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَيَكُونُ كَذَلِكَ شَرْطًا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ دَادَهْ زاده فِي مَنْظُومَتِهِ الَّتِي عَلَى مِنْوَالِ نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ الْأَعْذَارَ الْمُسْقِطَةَ لِلْجَمَاعَةِ فَقَالَ

وَذَا مَطَرٌ بَرْدٌ وَخَوْفٌ وَظُلْمَةٌ ... وَحَبْسٌ عَمًى فَلْجٌ وَقَطْعٌ وَيُذْكَرُ

سِقَامٌ وَإِقْعَادٌ وَوَحْلٌ زَمَانَةٌ ... وَشَيْخُوخَةٌ تَكْرَارُ فِقْهٍ يُسْطَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>