للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُسْتَعْمَلُ أُخْرَى بِإِلَى يُقَالُ أَوْصَى فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى جَعَلَهُ وَصِيًّا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ وَأَطْفَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَبَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ ذَكَرُوهُمَا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ بُيِّنَ مِنْهُمَا هَاهُنَا بِانْفِرَادِهِ وَلَمَّا امْتَنَعَ تَعْرِيفُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ بِمَفْهُومٍ وَاحِدٍ عَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِدْخَالٍ أَوْ الْمُقَسَّمَةِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ (الْإِيصَاءُ جَعْلٌ لِلْغَيْرِ مَالِكًا لِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَمَصَالِحِ أَطْفَالِهِ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَاهُنَا بَابَانِ) لِبَيَانِ الْمَعْنَيَيْنِ (الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي (رُكْنُهَا قَوْلُهُ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ) فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ (وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَ) كَوْنُ (الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا) إذْ لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (وَ) كَوْنُهُ (غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا قَاتِلٍ) كَمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَالْقَاتِلِ (وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ قَابِلًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) مَالًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً (وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا لِلْمُوصَى لَهُ) لِإِقَامَةِ الْمُوصِي إيَّاهُ مُقَامَ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا.

(جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَارِثُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى إذَا أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا (لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِهِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ (إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَهُمْ كِبَارٌ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَهُمْ أَسْقَطُوهُ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ.

(وَنُدِبَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ (عِنْدَ غِنَى وَرَثَتِهِ أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ، وَالْأُولَى أَوْلَى إذْ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى.

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

[كِتَابُ الْوَصَايَا.] [الْبَاب الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ]

(كِتَابُ الْوَصَايَا) (قَوْلُهُ: فَهَهُنَا بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ) يَشْتَمِلُ عَلَى بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَبَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ اهـ.

وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ اهـ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى بَابٍ وَقَدْ ضَمِنَ أَمْثَالَهُ (قَوْلُهُ: رُكْنُهَا قَوْلُهُ: أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطٌ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْوَصِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ وَذَلِكَ بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالدَّلَالَةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي اهـ.

وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ أَيْ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ هُوَ: الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَمَا لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَإِنْ شِئْت قُلْت رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ.

وَقَالَ زُفَرُ: الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ اهـ.

وَذَكَرَ التَّوْجِيهَ لِكُلٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا) يَعْنِي مَا لَمْ يُضَفْ إلَى الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالصَّغِيرِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ تَجْهِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا) يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ إذْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا حَيَاتُهُ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقْتَهَا غَيْرَ حَيٍّ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَارِثٍ) يَعْنِي وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ) الْمُرَادُ عَدَمُ النُّفُوذِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ. . . إلَخْ) هَذَا فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُوصِي فَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ مَنْدُوبَةٍ وَاجِبَةٍ مَكْرُوهَةٍ مُبَاحَةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ

(قَوْلُهُ: جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ) يَعْنِي نَفَذَتْ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ نَفَذَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَإِذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَلَّكَهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَتْ. . . إلَخْ) الْوَصِيَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَالدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ: كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَوَاتِ، وَالصِّيَامَاتِ، وَمُبَاحَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَالْأَقَارِبِ، وَمَكْرُوهَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ، وَالْمَعَاصِي كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَدْرُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَيْ دِرْهَمٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ عَشَرَةُ آلَافٍ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>