عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْهِبَةِ بَلْ الْأَبُ إذَا احْتَاجَ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَلَوْ غَائِبًا كَمَا ذَكَرَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ إلَّا الْوَالِدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِلْحَاجَةِ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا مُطْلَقًا وَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ مُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْتَجْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ، فَإِنَّ مَا تَوَهَّمُوا مُخَالِفٌ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَانِعِ (كَمَا فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأُخُوَّةِ وَالْأَخَوَاتِ وَأَوْلَادِهِمَا، وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ) فَقَطْ، فَإِنَّ أَوْلَادَهُمْ لَيْسُوا بِمَحَارِمَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ -
ثُمَّ إنَّ مَوَانِعَ الرُّجُوعِ فِي هِبَةٍ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (وَمَنَعَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ بِالْقَرَابَةِ) وَوَجْهُ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِهَا، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَحَارِمِ وَكُلُّ عَقْدٍ أَفَادَ مَقْصُودَهُ يَلْزَمُ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالْقَرَابَةِ (كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ وَسِمَنٍ) وَوَجْهُ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَوْهُوبِ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَوْهُوبَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا وَالْفَصْلُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِيَرْجِعَ فِي الْأَصْلِ لَا الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ أَصْلًا وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَلِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُوجِبْ حَقَّ الرُّجُوعِ إلَّا لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَعِوَضٍ) ، فَإِنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ عَدِمَ ذَلِكَ بِوُصُولِ الْعِوَضِ إلَيْهِ (أُضِيفَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِكَ أَوْ بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ مَكَانَهَا فَقَبَضَ لَمْ يَرْجِعْ فَلَوْ وَهَبَ وَعَوَّضَ وَلَمْ يُضِفْ رَجَعَ كُلٌّ بِهِبَتِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ سُلِّمَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ الرُّجُوعُ وَكَذَا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُعَوِّضِ الرُّجُوعُ فِي عِوَضِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعَوِّضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ إلَّا إذَا قَالَ عَوِّضْ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ) ، فَإِنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الْمِلْكُ بِتَبَدُّلِ السَّبَبِ وَذَكَرَ السَّادِسَ بِقَوْلِهِ (وَالزَّوْجِيَّةِ) ، فَإِنَّهَا نَظِيرُ الْقَرَابَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ فِي التَّوَاصُلِ بِدَلِيلِ جَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بِلَا حَجْبٍ وَبُطْلَانٍ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الصِّلَةَ وَقَدْ حَصَلَ (وَقْتَ الْهِبَةِ) حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلَوْ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِعَدَمِ الْعِلَاقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَقْتَ الْهِبَةِ وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِي وَقْتَهَا وَذَكَرَ السَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ) ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فَلَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهَلَاكَ صُدِّقَ بِلَا حَلِفٍ كَذَا فِي الْكَافِي (وَضَابِطُهَا) أَيْ ضَابِطُ الْمَوَانِعِ (حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ) مَأْخُوذٌ مِمَّا قِيلَ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَة يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[مَوَانِعَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَة]
قَوْلُهُ: ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ وَمَنَعَهُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالْقَرَابَةِ) أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ الْمَوَانِعَ عَلَى بَعْضِهَا وَلِيَذْكُرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: وَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ اهـ.
(قَوْلُهُ كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ) الْمُرَادُ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ أَوْجَبَ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ لِكِبَرِهَا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ فِي تِلْكَ الْقِطْعَةِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ زِيَادَةً أَصْلًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي شَيْءٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهَبَ دَارًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي بَيْتِ الضِّيَافَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كشانه تَنُّورًا لِلْخُبْزِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ نُقْصَانًا وَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعِوَضٍ أُضِيفَ إلَيْهَا) لِقَوْلِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْمَوْهُوبِ (قَوْلُهُ: لِجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بِلَا حَجْبٍ وَبُطْلَانٍ) الْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ عَدَمِ حَجْبِ الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهَا أَيْ ضَابِطُ الْمَوَانِعِ حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْحُرُوفِ لِتَتَأَتَّى الْمُنَاسَبَةُ فِي مَعْنَاهَا وَلَا يُقَالُ بَقِيَ مِنْ الْمَوَانِعِ الْفَقْرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute