(أَوْ لَا) فَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ فِي يَدِهِ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ، وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِرْثِ وَالْتِزَامِ الْمَالِ (وَلِلسَّيِّدِ فِي الْأَخِيرِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُمَا بَلْ هُوَ وَكِيلٌ مِنْ الْأَهْلِ كَمَا مَرَّ.
(وَلَوْ شُرِطَ) أَيْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَوَارَثَانِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ (بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى (وَأُخِّرَ) مَوْلَى الْمُوَالَاةِ (عَنْ ذِي رَحِمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ شَرْعًا فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ (لِلْأَسْفَلِ النَّقْلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى غَيْرِهِ (مَا لَمْ يَعْقِلْ) عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْ الْأَسْفَلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَلَاءَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (أَوْ عَنْ وَلَدِهِ) فَإِنَّهُمَا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلِلْأَعْلَى التَّبَرِّي عَنْهُ) أَيْ عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرٍ مِنْهُ) أَيْ الْأَسْفَلِ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ.
(الْمُعْتَقُ لَا يُوَالِي أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (وَالَتْ امْرَأَةٌ) أَيْ عَقَدَتْ عَقْدَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ مَعَ شَخْصٍ (فَوَلَدَتْ مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَيْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (وَتَبِعَهَا) وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ (كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ (أَوْ أَنْشَأَتْهُ وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ وَلَدَهَا الْمَجْهُولَ النَّسَبِ (مَعَهَا) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ صَغِيرٍ لَا يُدْرَى لَهُ أَبٌ فَلْتَمْلِكْهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ هَلْ يَصِحُّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْحَرْبِيِّ تَنَاصُرَ الْحَرْبِيِّ وَمُوَالَاتَهُ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ لِلْوَلَاءِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا دَامَا عَلَى حَالِهِمَا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ كَمَا أَنَّ كُفْرَ الْعَصَبَةِ أَوْ صَاحِبِ الْفَرْضِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَإِذَا زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ.
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شُرِطَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَتَوَارَثَانِ) أَيْ جَازَ أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إذْ حَقِيقَةُ التَّفَاعُلِ مُنْتَفِيَةٌ اهـ.
وَذُكِرَ مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ كَالْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ لَيْسَ لَهُمَا وَارِثٌ مُسْلِمٌ وَهُمَا مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَالَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ، وَالَاهُ الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الثَّانِي مَوْلَى الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ وَلَاءُ الْأَوَّلِ وَقَالَا كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلًى لِصَاحِبِهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِلَايَتَيْنِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَعْقِلُ عَنْهُ كَالْأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ فَلَا يَتَضَمَّنُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا انْتِقَاضَ الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ تَابِعٌ لِلْأَعْلَى، وَقَوْمُهُ كَالْمُعْتَقِ تَابِعٌ لِلْمُعْتِقِ وَلِذَا يَرِثُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ التَّبَعُ مَتْبُوعًا، وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ وَتَضَمَّنَ صِحَّةُ الثَّانِي انْتِفَاضَ الْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى) قَدْ يَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ لِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَوْلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيًّا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ سَيِّدُهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ إعْتَاقِ عَبْدِهَا وَلَحِقَتْ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا عَتِيقُهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَسْلَمَتْ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَيْ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ) ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَيْ فِي انْتِقَالِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَتَبْرِيءِ الْأَعْلَى عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ: بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ) الْمُرَادُ مِنْ الْحَضْرَةِ الْعِلْمُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْعِلْمُ بِلَا حُضُورٍ كَفَى، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالشَّهَادَةِ الْمُفَسِّرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ. . . إلَخْ) الْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَيَجُوزُ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ، وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ، وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَالِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَا الْمُوَالَاةُ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ جَازَ لِمَا قُلْنَا اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.