وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ (أَوْ فِنَاؤُهُ) عَطْفٌ عَلَى الْمِصْرِ وَالضَّمِيرُ لَهُ (وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ الْمِصْرِ (مُعَدٌّ لِمَصَالِحِهِ) كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسْكَرِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (السُّلْطَانُ أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ (مَاتَ وَالِي الْمِصْرِ فَجَمَّعَ) أَيْ أَقَامَ الْجُمُعَةَ (بِهِمْ خَلِيفَةُ) أَيْ الْمَيِّتِ (أَوْ صَاحِبِ الشَّرَطِ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ شِحْنَةٌ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا (أَوْ الْقَاضِي جَازَ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْعَامَّةِ مُفَوَّضٌ إلَيْهِمْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ (وَلَا عِبْرَةَ لِنَصْبِ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذُكِرَ) مِنْ خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبِ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي.
(وَجَازَتْ) الْجُمُعَةُ (بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِلْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ بِمَكَّةَ (فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ أَيْ لَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ وَلَا بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِأَمِيرِ الْحَاجِّ.
. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْكُنُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ نَفَرٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ. وَقِيلَ يُوجَدُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَفِي الْمِصْرِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْجِيمِ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ. . . إلَخْ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِوَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْأَوَّلَ أَيْ التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ. . . إلَخْ هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ.
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اهـ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ قَوْلَ الثَّلْجِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنْ لَا قَوْلَ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ لِلْإِمَامِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَمَالُ تَصْحِيحَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِنَاؤُهُ) أَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ أَوْ مُصَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِ بَلْ جَمِيعُ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ كَالْمِصْرِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ أَيْ الْمِصْرِ) أَقُولُ اتِّصَالُهُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْمُنْفَصِلِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَفِنَاؤُهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ بِغَلْوَةٍ، كَذَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَوْلُهُ أَعْنِي الْكَمَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ وَجَعَلَهُ تَحْدِيدًا لِلْفِنَاءِ.
وَقَالَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَكَلَامُ الْكَمَالِ هُنَا فِي بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْفِنَاءِ فَجَعَلَ الْفَاصِلَ قَدْرَ الْغَلْوَةِ وَأَسْنَدَهُ لِمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَاخْتَلَفَ الْمَرْوِيُّ بِهَذَا عَنْ النَّوَادِرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْغَلْوَةِ هُنَا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمْ يُقَدِّرْ الْفِنَاءَ بِمَسَافَةٍ، وَكَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّ الْفِنَاءَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهَا وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْجَامِعِ الْمَبْنِيِّ عِنْدَ سَبِيلِ عَلَّانَ بِفِنَاءِ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ هُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِفَرْسَخٍ وَبِفَرْسَخَيْنِ وَبِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَقِيلَ بِمِيلٍ، وَقِيلَ بِمِيلَيْنِ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقِيلَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْفِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزْرَعَةٌ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمِصْرِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ كَانَ فِي مَكَان مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ الْمِصْرَ فَيُصَلِّيَهَا فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ مِنْ الْمِصْرِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ كُلُّ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِرَبَضِ الْمِصْرِ وَغَيْرُ الْمُتَّصِلَةِ لَا وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرِ مِيلٍ، وَقِيلَ قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَقِيلَ سِتَّةٌ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا حَسَنٌ اهـ.
وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إنْ كَانَ عَلَى قَدْرِ فَرْسَخٍ مِنْ الْمِصْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الرَّبَضِ وَيُوجِبُهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الْإِقَامَةِ الَّذِي مَنْ فَارَقَهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَالْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ أَهْلَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) هُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَدَخَلَ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ وِلَايَةَ نَاحِيَةٍ فَتَجُوزُ إقَامَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَقْضِيَتُهُ وَأَنْكِحَتُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانَةً يَجُوزُ أَمْرُهَا بِالْإِقَامَةِ لَا إقَامَتُهَا اهـ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ وَجَازَتْ بِمِنًى) ، وَإِنَّمَا لَا يُصَلَّى بِهَا الْعِيدُ لِلتَّخْفِيفِ لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِصْرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ وَلَيْسَتْ مِنْ