حَالَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ الْأَخِيرَانِ، وَإِنْ أَفْطَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا هُوَ الْجُزْءُ الْمُقَارَنُ بِالْأَدَاءِ أَوْ جُزْءٌ يَسَعُ مَا بَعْدَهُ الطَّهَارَةَ وَالتَّحْرِيمَةَ.
وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جَامَعَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) احْتِرَازٌ عَنْ قَضَائِهِ (أَوْ جُومِعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ جَامَعَ إلَى هُنَا (أَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا قَضَى وَكَفَّرَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ جَامَعَ. . . إلَخْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الِاحْتِجَامِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلَمْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ: الزَّوَالُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَبُّهُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ التَّشَبُّهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ) أَيْ عَمْدًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنْ بَدَأَ بِهِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَمْدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يَفْسُدُ كَالِاحْتِلَامِ اهـ.
وَمَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِيمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَإِذَا نَوَاهُ نَهَارًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَوْ أَكْرَهَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَقَدْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا تَسْقُطُ لَوْ مَرِضَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ كَرْهًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَسْقَطَهَا زُفَرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ جَامَعَ وَجُومِعَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ غِذَاءً) أَيْ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيُنْقِصُ عَقْلَهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا مَضَغَ لُقْمَةً بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ بَعْدَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا، وَإِذَا أَخْرَجَهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُعَافُ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ بُزَاقِ الصَّدِيقِ لَا تَتَمَشَّى عَلَى تَفْسِيرِ التَّغَذِّي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ) أَقُولُ وَذَلِكَ كَالسَّفَرْجَلِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ وَهُوَ غَيْرُ مَطْبُوخٍ وَالْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ وَالطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَادُ أَكْلُ هَذَا الطِّينِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدْ أَكْلُهُ لَا كَفَّارَةَ بِهِ وَفِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَفِي الْمِلْحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْمِلْحِ الْقَلِيلِ لَا الْكَثِيرِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَنَاوَلَ الْكَثِيرَ دُفْعَةً فَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى انْتِهَاءِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ مَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءً بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتَ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute