للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (وَالصَّوْمُ شَرْطُ الصِّحَّةِ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْوَاجِبَ (لَا لِلثَّالِثِ) يَعْنِي الْمُسْتَحَبُّ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَمُخْتَارُهُمَا (سَاعَةٌ) وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (وَقِيلَ) الصَّوْمُ (شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا) ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ فَمَنْ قَطَعَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ (يَقْضِي) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا وَأَبْطَلَهُ (لَا يَخْرُجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (أَوْ جُمُعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهَا ضَرُورَةً (وَقْتَ الزَّوَالِ) إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ (وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتَ يُدْرِكُهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ يَعْنِي لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ بَلْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً (وَ) بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا (يُصَلِّي السُّنَنَ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسِتًّا عِنْدَهُمَا وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا (وَلَا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُدْرَى أَيَّةُ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَقَدَّمُ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَقَدَّمُ، وَلَا تَتَأَخَّرُ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ، وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيُجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فِيمَا سِوَاهُ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِهِ الِاعْتِكَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ هُوَ الْحَقُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ وَابْنُ الْمَلِكِ لَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةَ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنِهِ قَالَ عَطَاءٌ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ: مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ مَثَلُ رَجُلٍ يَخْتَلِفُ عَلَى بَابِ عَظِيمٍ لِحَاجَةٍ فَالْمُعْتَكِفُ يَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يُغْفَرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ) أَقُولُ وَذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمِ لَا اعْتِكَافَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا، وَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ نَذَرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ وَهْبَانَ رُجْحَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْوَجْهُ لَهُ اهـ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا الْمُكْثُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) وَالِاغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ كَمَا فِي النَّهْرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْكَافِي وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ أَيْ الْخُطْبَةُ لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ اهـ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا أَيْ الْخُطْبَةُ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>