الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافَ التَّحِيَّةِ أَيْضًا (سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِمَا شَاءَ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَصَعِدَ فِيهَا) أَيْ الْمَرْوَةِ (وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى مَرْوَةَ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا
(ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ لِمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إذَا صَدَرَتْ عَنْ وِتْرٍ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ أَمَّا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهِ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوَصْلُ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ) قَالَ قَاضِي خَانْ، وَهَذَا الِاسْتِلَامُ لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ السَّعْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِثُمَّ لِيُرَتِّبَهُ عَلَى الطَّوَافِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَيَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا أَفْضَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَتَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ رَخَّصُوا فِي إثْبَاتِ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِلشَّغْلِ يَوْمَ النَّحْرِ بِنَحْرِ الدَّمِ وَالرَّمْيِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ) أَيْ عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَرُكْنِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ يُسْرِعُ الْمَشْيَ وَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبْتَدَأَ السَّعْيِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ الْمِيلُ عَنْ مَبْدَأِ السَّعْيِ بِقَدْرِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلْيَقُ مِمَّا وُضِعَ فِيهِ الْآنَ وَالْمِيلُ الثَّانِي كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْعَبَّاسِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إذَا تَجَاوَزَ بَطْنَ الْوَادِي مَشَى عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ. . . إلَخْ) حَكَاهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِصِيغَةِ قِيلَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ (قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُ، وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَالطَّوَافِ وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ وَجْهِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ الْمَذْكُورِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَالْمِسْمَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَيْ حَرَامًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْصِيصِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ) قَالَ فِي الْكَافِي لَكِنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ إلَّا طَوْفَةً؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ. وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةَ وَيَغْتَنِمُ الدُّعَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا نَقَلَهَا الْكَمَالُ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الطَّوَافِ: وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَيْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ اهـ.
وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ لِلدُّعَاءِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَعَيَّنَ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute