وَهُوَ) أَيْ الْمُكْثُ (أَحَبُّ، وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ) أَيْ الْغَدِ (جَازَ وَلَهُ النَّفْرُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ فَجْرِهِ) أَيْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (لَا بَعْدَهُ) فَإِنَّهُ إنْ وَقَفَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ (وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ مَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ (مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأُولَيَيْنِ (وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ بِهَا وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا.
(وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَقْدِيمَ ثَقَلِهِ) أَيْ مَتَاعِهِ وَحَوَائِجِهِ (إلَى مَكَّةَ وَإِقَامَتُهُ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ (وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ)
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْأَدْعِيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي دُعَائِهِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» كَمَا فِي الْكَافِي، وَكَذَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبَهُ وَمَعَارِفَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ عُمُومِهِ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَازِهِ لِلْعُمُومِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ أَيْ الْغَدِ) صَوَابُهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَوْلُهُ جَازَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَا رَمْيُ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ أَيْ الْخُرُوجُ إلَى مِنًى) أَقُولُ صَوَابُهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ مِنًى ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ النَّفْرُ قَبْلَ فَجْرِهِ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ أَيْ الْمُكْثُ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ النَّفْرِ بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيَرْمِي مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ. لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ظُهُورِ فِعْلِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا،.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ: يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قُلْنَا كَانَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ مَاشِيًا أَقْرَبَ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالْمَرْكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ، وَقَدْ شَاهَدْت أَذِيَّةَ الرَّاكِبِ خُصُوصًا مِمَّنْ يَكُونُ فِي مِحَفَّةٍ وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ مِنْ الْجُنْدِ رُكْبَانًا مَعَ ضِيقِ الْمَحَلِّ بِكَثْرَةِ الْحَاجِّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى) قَالَ الْكَمَالُ وَيَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَالَ فِي الْكَافِي يُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ، وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ اهـ فَلْيُنْظَرْ التَّوْفِيقُ لِيُدْفَعَ التَّعَارُضُ (قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ - اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ - ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى وَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ ثَقَلِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ زَمَنًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْزِلُ سَاعَةً اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّ النُّزُولَ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ) وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ.
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ، وَهَذَا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلِينَ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقُولُ وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ) عَبَّرَ بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فَأَفَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ مَكَثَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَهُ وَيَقَعُ أَدَاءً وَإِذَا طَافَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَهُ حِينَ يَخْرُجُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ إذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِعَمَلٍ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَافَ لِلصَّدَرِ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ، وَلَوْ نَفَر وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِمَّا