أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ
(وَذَبْحٌ أَوْ تَصَدُّقٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَدُّقٌ (بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ)
. قَوْلُهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ أَعَادَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ) أَقُولُ فِيهِ كَمَا فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ لَوْ أَقَامَهُ وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي شَعْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ) أَقُولُ كَانَ الْوَاجِبُ إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحَلَالٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ، وَإِذَا حَلَقَ لِمُحْرِمٍ كَانَ عَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْوَرْطَةِ وَلَنَا أَنَّ الرَّاحَةَ حَصَلَتْ لَهُ كَالْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِاللَّذَّةِ كَمَا فِي الْكَافِي
(قَوْلُهُ: وَذَبْحٌ) مَرْفُوعٌ مَنُونٌ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَجَبَ ذَبْحُ شَاةٍ فِي الْحَرَمِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَرَمِ يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا بِذَبْحِهَا فِي غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِاللَّحْمِ عَلَى سِتَّةٍ وَيَبْلُغُ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ اهـ، وَإِذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَالْقُرْبَةُ فِيهِ لَهَا جِهَتَانِ جِهَةُ الْإِرَاقَةِ وَجِهَةُ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سُرِقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدُّقٌ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّدَقَةُ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ يَجُوزُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ فَلَمْ يَذْكُرَا لِأَبِي حَنِيفَة قَوْلًا وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ وَقَبِلَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ فِيهِ لَفْظُ الْإِطْعَامِ فَكَانَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ، بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَم اهـ.
(قَوْلُهُ: أَصْوُعٍ) عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ (قَوْلُهُ: عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةٍ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ السِّتَّةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَيُقَالُ أَوْ صِيَامٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تَصَدُّقٍ اهـ.
وَيَصُومُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مُفَرَّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ) أَقُولُ أَوْ لَبِسَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُمَا الْهِدَايَةَ (قَوْلُهُ: بِعُذْرٍ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَاللُّبْسِ، وَالْعُذْرُ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ وَلُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَوْفُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ وَعَوَارِضِ الصَّوْمِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ إلْزَامِ دَمٍ آخَرَ أَوْ صَدَقَةٍ فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّي رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلدَّمِ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَصَدَقَةٍ بِأَقَلِّهِ اهـ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ، وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى الْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَيَّرٌ فِيهَا اهـ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا أَنَّ الدَّمَ أَوْ الصَّدَقَةَ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا وَهَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا