للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ (إلَّا مَا جَفَّ) حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ (وَلَا صَوْمَ فِي الْأَرْبَعَةِ) أَيْ لَا يَصُومُ فِي ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ بَدَلَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هَاهُنَا مِنْ الْقِيمَةِ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَبْحَ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الذَّابِحَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُرْعَى الْحَشِيشُ) مِنْ الْحَرَمِ (وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَقَدْ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ (وَالْكَمْأَةُ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ

(وَ) تَجِبُ (صَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ: وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامُ التَّعَرُّضِ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ، بَلْ هِيَ سَوَائِبُ وَأَرَادَ بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْمَالِكُ أُمَّ غِيلَانٍ مِنْ أَرْضِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أُمِّ غِيلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ، وَلَوْ قَلَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ اهـ، وَإِذَا لَزِمَ الْقَاطِعَ الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَكُرِهَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِتَطَرُّقِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا جَفَّ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ وَصَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِقَطْعِ الْجَافِّ مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ وَحَرُمَ قَطْعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مِنْ شَجَرٍ وَكَلَأٍ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْجَافَّ اهـ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، ثُمَّ قَالَ «وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ فِي حَاصِلِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَثْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَا فَالْخَلَا الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيَحْلِلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ اهـ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْبُرْجَنْدِيُّ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَإِ حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا لَا يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ الْحَرَمِ لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَإِ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ مَعًا اهـ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَيْ مَتْنِ الْوِقَايَةِ أَوْ قَطْعِ حَشِيشِهِ أَوْ شَجَرِهِ إلَّا مَمْلُوكًا أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا اهـ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ قَوْلُهُ: إنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِقَطْعِ الْكَلَإِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ، بَلْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الْحَشِيشِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضَدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.

وَفِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ (قَوْلُهُ: وَالْكَمْأَةَ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ اهـ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا مَا جَفَّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ اهـ، وَلَوْ قَدَّرَ كَوْنَهَا أَيْ الْكَمْأَةِ نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ) يَعْنِي، وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ لِقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>