للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التِّجَارَةِ فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَقِّتَ مَا دُونَ السَّنَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَإِذَا أَقَامَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِمَا ذُكِرَ (لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّهُ خَلْفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنْقَضُ فَكَذَا خَلْفُهُ (كَذَا) أَيْ يَصِيرُ أَيْضًا ذِمِّيًّا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ (إذَا أَقَامَ هُنَا سَنَةً قَبْلَ التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ لِإِيلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (لَكِنَّهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (تُوضَعُ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ وَقَبْلَهُ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ السَّنَةِ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ، وَيُقَالُ وَنَأْخُذُ بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَحِينَئِذٍ نَأْخُذُهَا مِنْهُ كَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ الْأُولَى.

(وَكَذَا) يَصِيرُ ذِمِّيًّا (إذَا شَرَى أَرْضًا فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَزِمَ عَلَيْهِ (جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ الْوَضْعِ) فَتَكُونُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ (أَوْ نَكَحَتْ) عَطْفٌ عَلَى شَرَى أَرْضًا أَيْ تَكُونُ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيَّةً إذَا نَكَحَتْ (ذِمِّيًّا هُنَا) لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِزَوْجِهَا (بِلَا عَكْسٍ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ فَيَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ (مُسْتَأْمَنٌ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (رَجَعَ إلَيْهِمْ حِلُّ دَمِهِ) بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ.

(فَإِنْ أُسِرَ) الْمُسْتَأْمَنُ (أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ (فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنٌ) كَانَ (لَهُ عَلَى مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَأُفِيءَ) أَيْ صَارَ فَيْئًا (وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ) أَيْ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ لِلْمُودَعِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِهَا أَسْبَقُ فَهُوَ بِهَا أَحَقُّ (وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُبَاعُ وَيُوفَى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.

(وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَالدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ. .

(حَرْبِيٌّ هُنَا لَهُ ثَمَّةَ عُرْسٌ وَأَوْلَادٌ وَوَدِيعَةٌ مَعَ مَعْصُومٍ وَغَيْرِهِ فَأَسْلَمَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُ فَيْءٌ) أَمَّا عُرْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَعَقَارُهُ فَلِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَيَبْقَى الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً، وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَاءَ دَارَ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذُكِرَ وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَجَاءَ) هُنَا وَ (ظَهَرَ)

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

(قَوْلُهُ: كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ) صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ، بِخِلَافِهِ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ قَبْلَ مَقَالِ الْإِمَامِ لَهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا) الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ حَتَّى إذَا أَصَابَ زَرْعَهُ آفَةٌ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ) أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَا بِأَمَانٍ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>