للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَكَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَرٌ وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ إلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْبَارِي تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ وَبِخِلَافِ الِارْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ وَلِكَوْنِهِ حَقَّ الْغَيْرِ قُلْنَا إذَا شَتَمَهُ سَكْرَانُ لَا يُعْفَى وَيُقْتَلُ أَيْضًا حَدًّا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ الْمَالِكِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ إنْ شَاتَمَهُ كَافِرٌ وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكَفَّرَهُ كَفَرَ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ.

(يُؤْخَذُ مِنْ بَالِغِي تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلِبِيَّةٍ ضِعْفُ زَكَاتِنَا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا أَهْلُ الْوُجُوبِ.

(وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ مَوْلَاهُ الْجِزْيَةُ) لِنَفْسِهِ (وَالْخَرَاجُ) لِأَرْضِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّدَقَةِ فَيُجْعَلُ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ كَالْهَاشِمِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ ثَبَتَتْ بِالشُّبُهَاتِ.

(وَهُمَا) أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ (وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ ثَغْرٍ وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَرْكَبًا (وَجِسْرٍ) وَهُوَ خِلَافُهُمَا مِثْلَ أَنْ يَشُدَّ السُّفُنَ (وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) وَ (مَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ) ، فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذُكِرَ فِي الْعُمْدَةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ إذَا رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةُ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَقْتَ الْحَصَادِ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ.

وَفِي فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ طَاهِرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضِي الْوَقْفِ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَيْهِ غَلَّتُهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَذَهَبَ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الْقَاضِي وَأَخْذِ الرِّزْقِ وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ وَلَمْ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ كَذَا فُقَرَاؤُهُمْ) أَيْ بَنِي تَغْلِبَ لِصُلْحِهِمْ عَلَى ضَعْفِ زَكَاتِنَا وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.

(قَوْلُهُ: وَهُمَا أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ. . . إلَخْ) بَيَانُ الْمَصْرِفِ أَحَدُ بُيُوتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِكُلٍّ خِزَانَةٌ وَمَصْرِفٌ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِي: الرِّكَازُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهُمَا مَنْ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. الثَّالِثُ: خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ. الرَّابِعُ: اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطَى مِنْهُ نَفَقَتُهُمْ وَأَدْوِيَتُهُمْ وَكَفَنُهُمْ وَعَقْلُ جِنَايَتِهِمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا حَصَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكَادَ يَهْلِكُ فَيُعْطِيَهُ الْإِمَامُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ. اهـ. وَكَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.

(تَنْبِيهٌ) عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَنَفَقَتُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَصْرِفِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ بُيُوتِ الْمَالِ وَهُوَ مَالُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ بِحَقٍّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لِتَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ مُعْظَمِهَا عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ. اهـ. وَقَدْ أَفْرَدْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا إسْعَادُ آلِ عُثْمَانَ الْمُكَرَّمِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ.

(قَوْلُهُ: وَذَرَارِيِّهِمْ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا مِسْكِينٍ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ.

وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ التَّخْصِيصَ كَشَرْحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ وَذَرَارِيِّهِمْ أَيْ ذَرَارِيِّ الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَمَوْتِ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>