وَعَنْ عَطَاءٍ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا وَصَلَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَعَانَقَهُ وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُعَانَقَةِ وَتَجْوِيزِهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ (كَمُصَافَحَتِهِ) ، فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ لِمَا رَوَى «أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ نَعَمْ» .
(وَكُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ صِرْفَةً) وَهِيَ رَجِيعُ الْآدَمِيِّ (وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً) بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا (كَبَيْعِ السِّرْقِينِ) حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ (وَصَحَّ الِانْتِفَاعُ بِمَخْلُوطِهَا) فِي الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ.
(وَجَازَ أَخْذُ دَيْنٍ عَلَى كَافِرٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ) يَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى كَافِرٍ فَبَاعَ الْمَدْيُونُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْمَدْيُونُ مُسْلِمًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فَالثَّمَنُ حَرَامٌ. .
. (وَ) جَازَ (تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ (وَتَعْشِيرُهُ وَنَقْطُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ وَالْآيَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ الشَّيْخُ. . . إلَخْ) هَذَا، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ سُفْيَانَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ. اهـ.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ. اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي تَقْبِيلِ يَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ لِإِسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَبَّلَ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمُصَافَحَتِهِ) لَا تَخْتَصُّ الْمُصَافَحَةُ بِالْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَارَثُ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» . اهـ.
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَالَ لَا بَأْسَ بَلْ يُنْدَبُ أَوْ نَحْوُهُ لِلْأَثَرِ فِي الْمُصَافَحَةِ وَلِي رِسَالَةٌ فِي الْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَاةِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِيَامِ لِلْغَيْرِ، وَقَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ يَحْرُمُ تَقْبِيلُ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ لِلتَّحِيَّةِ وَقِيَامُ التَّالِي لِلدَّاخِلِ عَلَيْهِ إلَّا لِأُسْتَاذِهِ أَوْ أَبِيهِ وَيُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ، قِيلَ: وَالْقِيَامُ لِلتَّعْظِيمِ كَتَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ أَوْ يَدِ الْمَحْيَا عِنْدَ السَّلَامِ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ تَعْظِيمًا لِلْغَيْرِ وَرَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ» وَعَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ لَتَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءَ وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ جَوَابَ السَّلَامِ وَالْكَلَامُ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ. اهـ. .
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لِلْأَنْطَاكِيِّ قِيَامُ الْقَارِئِ جَائِزٌ إذَا جَاءَ أَعْلَمُ مِنْهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ الَّذِي عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْعِلْمَ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْجَائِي مِنْ الْأَجِلَّةِ وَالْأَشْرَافِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ تَحِيَّةُ الْقِيَامِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ فَإِنْ قَامَ لِمَنْ لَا يُقَامُ لَهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) الْكَرَاهَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّ مُقَابَلَتَهُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الْخَالِصَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالصِّحَّةِ الْحِلُّ.
(قَوْلُهُ: غَالِبٍ عَلَيْهَا) كَذَا قُيِّدَ بِالْغَلَبَةِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْغَلَبَةِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخْلُوطَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَبَيْعِ السِّرْقِينِ) هُوَ رَجِيعُ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ) يُفِيدُ أَنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ لَا يَجُوزُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ وَلَمْ أَرَ خِلَافًا فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ بَيْعِ السِّرْقِينِ عِنْدَنَا وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ الَّذِي قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْعَذِرَةِ الْمَخْلُوطَةِ لَا الْخَالِصَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْخَالِصَةِ
(قَوْلُهُ: وَجَازَ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) التَّحْلِيَةُ غَيْرُ التَّمْرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ) وَلِذَا كُرِهَ مَدُّ الرَّجُلِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُلُوِّ فَلَمْ يُحَاذِهِ، وَإِذَا صَارَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُجْعَلُ فِي خَرِيطَةٍ وَيُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَالَ فِي غَيْرِهَا يُغْسَلُ فِي مَاءٍ جَارٍ وَلَا يُحْرَقُ. اهـ.
وَفِي قَاضِي خَانْ