لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ عَزَّرَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ يَأْثَمُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ (لَا غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ.
(وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ إلَّا إذَا تَعَدَّى الْأَرْبَابُ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ. يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ حَمَامَاتٌ مَمْلُوكَةٌ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيَةِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ يُعَزَّرُ وَيُمْنَعُ أَشَدَّ الْمَنْعِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَبَحَهَا الْمُحْتَسِبُ.
(وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» .
. (وَ) يُسْتَحَبُّ (حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً) فِي الْقُنْيَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَكَذَا تَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا لَمْ يُلْبِسْ الْمُتَلَقِّي عَلَى التُّجَّارِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبَلْدَةِ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي الْكَافِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَكَرَ عَلَى النَّاسِ الطَّعَامَ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ) أَيْ إلَى زَمَنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّعَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا) وَاضِحٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ لِضَرَرٍ عَامٍّ كَمَا فِي الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ قَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا وَإِنَّمَا هُوَ دَفْعٌ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ. اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. .
وَفِي الْكَافِي مَرْوِيًّا «مَنْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَطْلُبُ الْقَحْطَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَالصَّرْفُ النَّفَلُ وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَأْثَمُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْمَقْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمَ فِي الْآخِرَةِ. اهـ. .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الِاحْتِكَارِ وَتَرَبُّصِ الْغَلَاءِ وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُودٌ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَجْلُوبُهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ نَقْلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ يُكْرَهُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ تَعَلَّقَ بِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُؤَخَّرًا قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ.
(قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَخَافُ إنْ نَقَصَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْنِي مَا تُحِبُّ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. اهـ. .
وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مِنْهُمَا دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ. . . إلَخْ) وَفِيهِ إذَا قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَ ذَلِكَ فَإِنْ رَمَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ الْمُغْتَسَلِ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ حَلَقْت رَأْسِي بِمَكَّةَ فَخَطَّأَنِي الْحَجَّامُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا أَنِّي جَلَسْت مُسْتَدْبِرًا فَقَالَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ الْأَيْمَنُ وَأَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَقَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَدَفَنْته. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ) الْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُحْفُوا الشَّارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالتَّقْصِيرُ مِنْهَا سُنَّةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ؛ لِأَنَّهَا زِينَةٌ وَكَثْرَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَطُولُهَا الْفَاحِشُ خِلَافُ الزِّينَةِ وَالسُّنَّةُ النَّتْفُ فِي الْإِبِطِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَلْقِ وَيَبْتَدِئُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالسُّنَّةُ حَلْقُ الشَّارِبِ وَقَصُّهُ حَسَنٌ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا