للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الِازْدِوَاجِ وَدَاوَمَهُ بِهَا (لَا غِنَى فِي الْأَصَحِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ مَذْمُومَةٌ فِي الْأَصَحِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا أَيْ تَصَدَّقَ بِهِ» (فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (كُفُؤٌ لِذَاتِ أَمْوَالٍ عِظَامٍ) لِعَدَمِ الْعِبْرَةِ بِالْغِنَى.

(وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (حِرْفَةً) ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ بِهَا (فَمِثْلُ حَائِكٍ) كَحَدَّادٍ وَخَفَّافٍ وَنَحْوِهِمَا (لَيْسَ كُفُؤًا لِمِثْلِ عَطَّارٍ) كَبَزَّازٍ فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ (الْعَجَمِيُّ الْعَالِمُ كُفُؤٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ) ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ (وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ) أَيْ غَيْرُ الْغَنِيِّ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ (كُفُؤٌ لِلْجَاهِلِ الْغَنِيِّ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْغِنَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَلِلْعَلَوِيِّ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ (وَالْقَرَوِيُّ لِلْمَدَنِيِّ نَقَصَتْ) أَيْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ وَنَقَصَتْ (عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ) الْمَهْرَ (أَوْ يُفَرِّقَ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ الْعَارَ بِالْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَفَاخَرُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُعَيَّرُونَ بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ

(أَمَرَ) رَجُلٌ شَخْصًا (بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ أَمَةً جَازَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ (وَامْرَأَتَيْنِ لَا) يَعْنِي إذَا زَوَّجَهُ الْمَأْمُورُ امْرَأَتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ كِلْتَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِهِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْهُولَةِ لِتَعَطُّلِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ لِاسْتِحَالَةِ وَطْءِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَتْ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ (فَأَجَازَهُ) أَيْ أَجَازَ الْغَائِبُ التَّزْوِيجَ بِبُلُوغِ خَبَرِهِ إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ قَبِلَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ طَرَفِ الْغَائِبِ فِي الْمَجْلِسِ (وَاحِدٌ) سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا (جَازَ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَشَطْرُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ مِنْ فُضُولِيٍّ لِيَتَحَقَّقَ صُورَةُ الْعَقْدِ وَيَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ

(يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ) يَعْنِي الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ (وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَكَلَّمَ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

الْهِدَايَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ فَهُوَ كُفُؤٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَيُعَدُّ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ بِيَسَارِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا أَيْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كُفُؤٌ) مُفِيدٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِرْفَةِ التَّقَارُبُ لَا حَقِيقَةُ الْمُسَاوَاةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ. . . إلَخْ) لَمْ يُفِدْ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْمَهْرَ وَقَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ كُفُؤًا لِفَائِقَةِ الْغِنَى فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَمْ تُؤَثِّرْ شَيْئًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اهـ. نَعَمْ وَصْفُ الْعِلْمِ يُجْبِرُ خَلَلَ الْفَقْرِ بِعَدَمِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَى مَا نَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ بِنْتَ مَلِكِهِمْ إذَا خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ.

(قَوْلُهُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ الْمَهْرَ أَوْ يُفَرِّقَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ طَلَبُ تَتْمِيمِ الْمَهْرِ.

وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ الْعَصَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا عَلَى الْمُخْتَارِ فَخَرَجَ الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَخَرَجَ الْقَاضِي اهـ.

(قُلْت) التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِكُلِّ قَرِيبٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِتَزَوُّجِهَا غَيْرَ الْكُفْءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ لَا كَابْنِ الْعَمِّ هُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَمَرَ رَجُلٌ شَخْصًا) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْآمِرَ فَشَمِلَ الْأَمِيرَ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً تُكَافِئُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ

(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ) مِثَالٌ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) تَنْصِيصٌ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ أَمَةً لِآمِرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَامْرَأَتَيْنِ لَا) أَيْ فِي صُورَةِ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي امْرَأَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا لَوْ عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا لَهُ مَعَ أُخْرَى لَزِمَتْهُ الْمُعَيَّنَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ) لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُمَا عَلَى الْآمِرِ فَيَتَوَقَّفُ فَإِنْ أَجَازَهُمَا صَحَّ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا) أَمَّا كَوْنُهُ فُضُولِيًّا فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكِيلًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِشَرْطِ الْمُصَنِّفِ الْإِجَازَةَ لِصِحَّتِهِ مَعَ قَبُولِ الْوَكِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) مُفِيدٌ عَدَمَ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا فِيمَا إذَا قَبِلَ الْعَاقِدُ الْفُضُولِيَّ أَيْضًا عَنْ الْغَائِبِ كَقَوْلِهَا زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ، ثُمَّ قَالَتْ وَقَبِلْتُ عَنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ، بَلْ يَبْطُلُ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>