للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَا هُنَا (مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ) أَيْ لِلطَّلَاقِ (وَاحْتَمَلَهُ وَغَيْرَهُ) فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوضَعْ لَهُ وَاحْتَمَلَتْهُ وَغَيْرَهُ وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ التَّعْيِينِ كَحَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالِ الْغَضَبِ (وَهُوَ) أَيْ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ) عَنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ (فَقَطْ) أَيْ لَا يَكُونُ رَدًّا لِكَلَامِهَا وَلَا سَبًّا لَهَا وَلَا شَتْمًا (كَاعْتَدِّي) فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ بِهَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا وَتَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُكْمِ لِسَبَبِهِ إذَا اخْتَصَّ السَّبَبُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (اسْتَبْرِئِي رَحِمَك) فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَيْ تَعَرَّفِي بَرَاءَةَ رَحِمِك لِأُطَلِّقَك (أَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ كَانَ دَلَالَةً عَلَى الصَّرِيحِ لَا عَامِلًا بِمُوجِبِهِ وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ فَفِيهِ احْتِمَالُ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لَا الرَّدِّ وَلَا السَّبَبِ (أَمْرُك بِيَدِك) أَيْ عَمَلُك بِيَدِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي (اخْتَارِي) أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفِرَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ، فَيَكُونَانِ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ (وَمُرَادِفُهَا) مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ.

(وَفِي الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي (لَا تَطْلُقُ) الْمَرْأَةُ (مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا) صَالِحٌ (لِلْجَوَابِ) عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ (وَالرَّدِّ لِسُؤَالِهَا كَاخْرُجِي) أَيْ مِنْ عِنْدِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُخْرُجِي وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (وَكَذَا اذْهَبِي قُومِي) ، وَأَمَّا (تَقَنَّعِي) فَإِمَّا مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ أَيْ اسْتَتِرِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ الْقَنَاعَةِ أَيْ اقْنَعِي بِمَا رَزَقَك اللَّهُ مِنِّي مِنْ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ، وَكَذَا (تَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي) وَأَمَّا (اُغْرُبِي) فَمِنْ الْغُرْبَةِ أَيْ اخْتَارِي الْغُرْبَةَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِتَزُورِي أَهْلَك، وَقِيلَ اُعْزُبِي وَهِيَ إمَّا مِنْ الْعُزُوبَةِ وَهِيَ التَّجَرُّدُ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ بِمَعْنَى الْبُعْدِ أَيْ اخْتَارِي الْعُزُوبَةَ أَوْ الْبُعْدَ عَنِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (تَزَوَّجِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُطْلُبِي النِّسَاءَ؛ إذْ الزَّوْجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (الْحَقِي بِأَهْلِك) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأَنِّي أَذِنْت لَك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) الْغَارِبُ مَا بَيْنَ السَّنَامِ وَالْعُنُقِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِئَلَّا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك وَلِذَا لَمْ يُفْرَدْ بِالذِّكْرِ (لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) احْتِمَالُهَا لِلطَّلَاقِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الرَّدِّ فَلِأَنَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

الطَّلَاقِ سُمِّيَتْ بِهَا مَجَازًا اهـ.

وَقَالَ الْكَمَالُ فِي التَّحْرِيرِ مَا قِيلَ لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ؛ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ اهـ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَاعْتَدِّي إلَى اخْتَارِي) جَعَلَ مِنْهُ فِي الْمَوَاهِبِ سَرَّحْتُك فَارَقْتُك أَنْتِ حُرَّةٌ وَهَبْتُك لِأَهْلِك الْحَقِي بِأَهْلِك.

(قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ أَيْ لَفْظَ اعْتَدِّي قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ غَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ اهـ. .

وَفِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْمَجَازِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إلَى أَمْرِك بِيَدِك اخْتَارِي لَا لِمُحْتَمِلِ اخْتَارِي.

(قَوْلُهُ: وَمُرَادِفُهَا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ التَّطْلِيقِ بِلُغَةِ التُّرْكِ هَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ أَوْ بَائِنٌ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِ " سن بوش " أَوْ " بوش أَوَّل "؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِيَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ فَلْيُنْظَرْ وَفِي الْمُحِيطِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيِّ مُفِيدٌ الْحُكْمَ فِي هَذَا فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: وَإِمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ إلَى قَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك) جَعَلَ فِي الْمَوَاهِبِ الْحَقِي بِأَهْلِك مِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك) جَعَلَهُ فِي الْمَوَاهِبِ مِنْ الصَّالِحِ لِلْجَوَابِ فَقَطْ مَا ذَكَرْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>