للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلظَّرْفِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ

(وَفِي طَلِّقِي ضَرَّتَكِ، أَوْ طَلِّقِي امْرَأَتِي عَكْسُهُمَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي ضَرَّتَكِ، أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي صَحَّ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّوْكِيلِ (إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ) فَحِينَئِذٍ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ وَعَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ، أَوْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْتَ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ تَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْتَ كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ، أَوْ لَمْ يَشَأْ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجَبِ الصِّيغَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِي الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ يَعْنِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (أَوْ نَوَى) طَلْقَةً (وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (وَقَعَتْ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الصَّرِيحَ (وَلَوْ) نَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ (ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ.

. (وَ) فِي قَوْلِهِ (اخْتَارِي إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْتُكِ مِنْ نَفْسِي، أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا الْإِيقَاعَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَوَجْهُ وُقُوعِ الْبَائِنِ أَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَهُوَ فِي الْبَائِنِ؛ إذْ فِي الرَّجْعِيِّ يَتَمَكَّنُ الزَّوْجُ مِنْ رَجْعَتِهَا بِلَا رِضَاهَا أَوْ قَالَتْ: أَخْتَارُ نَفْسِي، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَعْدٍ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ كَمَا إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى الْغِلْظَةِ وَالْخِفَّةِ كَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ.

(وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ، أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ مَتَى مَا شِئْتِ، أَوْ إذَا شِئْتِ، وَإِذَا مَا شِئْتِ (لَا يَتَقَيَّدُ) بِالْمَجْلِسِ (وَلَا يَرْجِعُ) الزَّوْجُ (وَلَا يَرْتَدُّ الْأَمْرُ) بِرَدِّهَا (بَلْ تُطَلِّقُ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا (مَتَى شَاءَتْ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَا تَمْلِكُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِيَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا (وَاحِدَةً فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ فِعْلُ اللِّسَانِ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ مَعَ نُطْقِهَا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ التَّطْلِيقِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِفَةِ الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ) يَعْنِي بِهِ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ وَرُجُوعَ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ: فَلِمَا مَرَّ يَعْنِي مِنْ أَنَّ مَتَى شِئْتِ وَمَتَى مَا شِئْتِ لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكُ طَلَاقِهَا لَهَا لَا تَوْكِيلٌ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ) يَعْنِي عَدَمَ الرَّدِّ بِرَدِّهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ) أَيْ وَضْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>