للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحْرِزًا أَوْ سَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا إمَّا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً كَمَا إذَا بَاشَرَ سَبَبَ الْأَخْذِ خُفْيَةً وَأَخَذَ خُفْيَةً أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ خُفْيَةً وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ ثُمَّ إنَّهَا إمَّا صُغْرَى وَهِيَ السَّرِقَةُ الْمَشْهُورَةُ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِمَّا كُبْرَى وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ وَشَرْطُهُ كَوْنُ السَّارِقِ مُكَلَّفًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ جَيِّدَةٍ فَصَاعِدًا أَوْ قَدْرَهَا قِيمَةً فَإِنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي حَقِّ السَّرِقَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي بَيَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ» وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمِجَنُّ الَّذِي قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَشَرْطُ كَوْنِهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ وَكَوْنُهَا مَضْرُوبَةً لِأَنَّهَا الْمُتَنَاوِلَةُ عُرْفًا لِاسْمِ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا لَا تُسَاوِي عَشَرَةً مَضْرُوبَةً لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ شُرُوطَ الْعُقُوبَاتِ تُرَاعَى فِي وُجُودِهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالتِّبْرُ أَنْقَصُ مِنْ الْمَضْرُوبِ قِيمَةً وَلِهَذَا شَرَطُوا الْجَوْدَةَ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً رَدِيئَةً لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَشَرْطُ كَوْنِ الْأَخْذِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لَا يُسْتَوْفَى بِشُبْهَةٍ وَالْحِرْزُ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَيُقْطَعُ السَّارِقُ) أَيْ يَمِينُهُ (إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُ الْقَطْعِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (وَسَأَلَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (الْإِمَامُ كَيْفَ هِيَ وَمَا هِيَ وَمَتَى هِيَ وَأَيْنَ هِيَ وَكَمْ هِيَ وَمِمَّنْ سَرَقَ وَبَيَانُهَا) لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ

(وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمْعٌ) فِي السَّرِقَةِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) يَعْنِي إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ) أَيْ إذَا كَانَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخِفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الْحِفْظِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ خِفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهَرَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ جَيِّدَةٍ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زُيُوفًا لَا يُقْطَعُ بِهَا وَلَوْ تَجُوزُ بِهَا لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ بِنُقْصَانِ الذَّاتِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْرِجَ مَا سَرَقَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُنْتَظَرُ تَغَوُّطُهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ وَأَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَا يُقْطَعُ اهـ.

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ وَاحِدًا فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِعَشَرَةٍ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا كَوْنُهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) قَالَ الْكَمَالُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفَةً صِنْفٌ عَشَرَةٌ وَزْنُ خَمْسَةٍ وَصِنْفٌ وَزْنُ سِتَّةٍ وَصِنْفٌ وَزْنُ عَشَرَةٍ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْقَطْعِ وَزْنُ عَشَرَةٍ لِمُقْتَضَى أَصْلِهِمْ فِي تَرْجِيحِ تَقْدِيرِ الْمِجَنِّ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ أَدْرَأُ لِلْحَدِّ وَمَا كَانَ دَارِئًا كَانَ أَوْلَى ثُمَّ قَالَ ثُمَّ هَذَا الْبَحْثُ إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَزْنَ سَبْعَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا إنْ قِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا اهـ.

وَيَلُوحُ أَنَّهُ يَرِدُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّة لِوُجُودِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ وَسَأَلَهُمَا. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ السَّارِقِ إذَا أَقَرَّ بِهَا وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ وَلَا عَنْ الْمَكَانِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ.

وَتَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَذَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ.

(قَوْلُهُ كَيْفَ هِيَ) أَيْ كَيْفَ السَّرِقَةُ لِاحْتِمَالِ كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَإِدْخَالِ يَدِهِ فِي النَّقْبِ (قَوْلُهُ وَمَا هِيَ) أَيْ مَاهِيَّتُهَا فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ (قَوْلُهُ وَمَتَى هِيَ) أَيْ فِي أَيِّ زَمَنٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّقَادُمِ يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ (قَوْلُهُ وَأَيْنَ هِيَ) أَيْ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ سَرَقَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَيَحْبِسهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَرَفَ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ قَطَعَهُ اهـ.

وَلَعَلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ الْآنَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَقْطَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَمْ يَقْطَعْ اهـ.

وَكَذَا لَوْ غَابَ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ الْحُضُورِ فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا هَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ.

وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ اهـ.

(قُلْت) اسْتِثْنَاءُ الرَّجْمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَيُقَامُ حَالَ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>