للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرُ فَكَأَنْ ادَّعَى إلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فَلَا تَجِبُ إلَّا بِسَبَبٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَالْخَطَأِ فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ حَرَامٌ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّثْبِيتِ

وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ قَتْلُهُ قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) فِي الْعَمْدِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْكَبِيرَيْنِ فَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِغَيْرِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْفِعْلِ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَصْدِهِ إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا لَيْسَتْ بِآلَةِ الْقَتْلِ وَالْعَاقِلُ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى كُلِّ فِعْلٍ بِآلَتِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ غَيْرَ آلَةِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَكَانَ خَطَأً يُشْبِهُ الْعَمْدَ (وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) لِقَصْدِهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ. وَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ. وَالْإِطْعَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتُ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِيهِ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لِتَبَعِيَّتِهِ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا وَلَا يُجْزِيهِ مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اسْمِ الرَّقَبَةِ (وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بِلَا قَوَدٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَوَدٌ لِشِبْهِهِ بِالْخَطَأِ كَمَا عَرَفْت (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَيْسَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (شِبْهُهُ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ

وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا خَطَأٌ وَهُوَ إمَّا فِي الْقَصْدِ كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا وَلَوْ عَبْدًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا) فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا قَالَ وَلَوْ عَبْدًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ آدَمِيَّتُهُ لَا مَالِيَّتُهُ (أَوْ) خَطَأٌ (فِي الْفِعْلِ كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيُحْتَمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْخَطَأُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذُكِرَ أَوْ الِاجْتِمَاعُ بِأَنْ يَرْمِيَ آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ

وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا جَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ السَّطْحِ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ) فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ لَكِنْ لَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَحُكْمُهُمَا) أَيْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالْجَارِي مَجْرَاهُ (الْإِثْمُ دُونَ إثْمِ الْقَتْلِ) أَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ التَّحَرُّزِ فَإِنَّ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ) أَيْ كَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) مِنْ حُكْمِ شِبْهِ الْعَمْدِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ أَيْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ دِيَةِ أَطْرَافِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي التَّكْفِيرِ لِدَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لَهُ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ لِلْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِهِ هَذَا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>