للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا وَقْفُ الْكُتُبِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُجِيزُهُ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزُهُ وَوَقَفَ كُتُبَهُ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُجِيزُهُ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ وَكَيْفَ؟ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً كَالدَّرَاهِمِ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

(بَنَى عَلَى أَرْضِهِ فَوَقَفَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ (بِدُونِهَا) أَيْ الْأَرْضِ (لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا يَتْبَعُهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ الْآثَارُ وَمَا فِيهِ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ (وَقِيلَ جَازَ) فِي الْكَافِي، وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ.

وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا رَجُلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ.

(وَلَوْ) بَنَى (عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِجِهَةٍ) (فَوَقَفَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ (لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْجِهَةِ (جَازَ بِالْإِجْمَاعِ) لِاتِّحَادِ الْجِهَةِ (وَلَوْ) وَقَفَهُ (لِغَيْرِهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ) قِيلَ جَازَ وَقِيلَ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ الْوَقْفُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ (تَجِبُ عِمَارَتُهُ) سَوَاءٌ (شَرَطَ) الْوَاقِفُ الْعِمَارَةَ (أَوْ لَا) فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً نَصًّا فَهِيَ مَشْرُوطَةٌ اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ إدْرَاكُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا عَلَى الْمَصَارِفِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ كَالثَّابِتِ نَصًّا (عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عِمَارَتُهُ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ.

(لَوْ) كَانَ (مُعَيَّنًا) بِأَنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ، وَلِهَذَا يَكُونُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا (يَبْدَأُ بِهَا) أَيْ بِالْعِمَارَةِ (مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ غَلَّةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُمْكِنْ مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا لِكَثْرَتِهِمْ، وَغَلَّةُ الْوَقْفِ أَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ فَيَجِبُ مِنْهَا (وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ الْمَالِكُ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ صَارَ غَلَّتُهُ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ إلَّا بِرِضَاهُ.

(وَلَوْ) (أَبَى) أَيْ الْمُعَيَّنُ (عَنْ عِمَارَةِ الْوَقْفِ أَوْ عَجَزَ) عَنْهَا (عَمَّرَهُ الْحَاكِمُ) بِأَنْ آجَرَهُ وَعَمَّرَهُ (بِأُجْرَتِهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ الْآبِي (عَلَيْهَا) أَيْ الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إتْلَافَ مَالِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ إبَاؤُهُ رِضًى بِبُطْلَانِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ. . . إلَخْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَنْصَارِيِّ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ زُفَرَ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُكَالُ. . . إلَخْ إذْ هُوَ مَكِيلٌ وَإِلَّا فَلَعَلَّ الْكَلَامَ لَهُ تَتِمَّةٌ حُذِفَتْ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَالَ الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ فَزَرَعُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرَضَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ هَذَا أَبَدًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ الْمَعْرُوفِ بِمَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، خَصَّ بِنَاءَ الْقَنْطَرَةِ فِي بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ قَالُوا تَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الْقَنْطَرَةِ مِلْكَ الْبَانِي وَهُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَّخِذُ الْقَنْطَرَةَ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ اهـ.

وَفِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ اهـ.

وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ وَقَفَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ دُونَ الْأَرْضِ الْفَتْوَى صِحَّةُ ذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ أَوْ احْتَاجَ إلَى الْوُقُوفِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مُؤَبَّدًا وَذَكَرَ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَمَا دَامَ حَيًّا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَفَسَخَهُ لَوْ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ. . . إلَخْ مَعَ لُزُومِ الْوَقْفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>