لِيَخْتَارَ الْأَرْفَقَ وَالْأَوْفَقَ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلِذَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَجُوِّزَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تُوجِبُ الْفَسَادَ إذَا كَانَتْ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ، وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهِيَ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فَيَخْتَارُ أَيًّا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ النِّزَاعُ لَكِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحَاجَةُ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمَا.
(اشْتَرَيَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهُ الرَّدُّ (وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ) يَعْنِي اشْتَرَيَا عَبْدًا فَظَهَرَ عَيْبُهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ (وَالرُّؤْيَةِ) يَعْنِي اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ فَرَآهُ أَحَدُهُمَا فَرَضِيَ لَا الْآخَرُ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ. أَقُولُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخِيَارَ تَصَرُّفٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ إذَا فُوِّضَ إلَى رَجُلَيْنِ لَا يَسْتَقِلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيهِ كَالْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ بَلْ تَعْبِيرٍ مَحْضٍ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ.
(وَيُبْطِلُهُ) أَيْ خِيَارَ الشَّرْطِ (الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَارًا) مَفْعُولُ الْأَخْذِ (بِيعَتْ) صِفَةُ دَارٍ (بِجَنْبِ) حَالٌ مِنْ دَارٍ أَوْ صِفَةٌ لَهَا (مَا شُرِطَ) الْخِيَارُ (فِيهِ) وَهِيَ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ يَعْنِي مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ وَهُوَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِالِاسْتِنَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ ثَابِتًا، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ الْأُولَى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ عَرَضَ عَلَى بَيْعٍ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الشَّرْطِ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا (تَعَيُّبُهُ) أَيْ تَعَيُّبُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ (بِمَا) أَيْ بِعَيْبٍ (لَا يَرْتَفِعُ) كَقَطْعِ يَدِهِ فَإِنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ حَتَّى لَوْ مَرِضَ وَزَالَ جَازَ رَدُّهُ (وَيُبْطِلُهُ) أَيْضًا (مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِيهَا كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ مُضِيِّهِ (وَ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا (تَصَرُّفٌ لَا يُفْسَخُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ) تَصَرُّفٌ (لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ أَوْ) تَصَرُّفٌ (لَا يَنْفُذُ إلَّا فِيهِ) أَيْ فِي الْمِلْكِ (كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ) قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ نَعَمْ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَصْوِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي جَامِعِهِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الصُّورَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَيْدًا وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي خِيَارِ التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعَيُّنِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ. اهـ.
أَقُولُ نَفْيُ الزَّيْلَعِيِّ مَعْنَى خِيَارِ التَّوْقِيتِ وَفَائِدَتَهُ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِ الْخِيَارِ مُسَلَّمٌ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَ، أَمَّا سَلْبُ الْمَعْنَى وَالْفَائِدَةِ عَنْهُ أَصْلًا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ مَعْنًى وَفَائِدَةٌ هُمَا دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَطْلِ الْمُشْتَرِي التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَيَفُوتُ عَلَى الْبَائِعِ نَفْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ اهـ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا شَرَطَ خِيَارَ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute