للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (حَضَرَ) أَيْ سَوَاءٌ حَضَرَ (الْمَبِيعُ) الْغَيْرُ الْمَرْئِيِّ (فِي الْمَجْلِسِ) بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ بُرًّا فِي جُوَالِقٍ أَوْ دُرَّةً فِي حُقَّةٍ أَوْ ثَوْبًا فِي كُمٍّ أَوْ جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْهُ (أَوْ غَابَ) الْمَبِيعُ عَنْ الْمَجْلِسِ (وَأُشِيرَ إلَى مَكَانِهِ الْخَالِي عَنْ سَمِيِّهِ) أَيْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ.

(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) إذَا لَمْ يَرَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُجَوِّزَةُ بِلَا قَيْدِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يُزَادُ قَيْدُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَالنَّسْخِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ إذَا أَفْضَتْ إلَى النِّزَاعِ كَمَا فِي شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُفْضِ إلَيْهِ فَلَا كَقَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَالْجَهَالَةُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ (وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا كَذَا قَالُوا.

أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَهُ حَرْفُ الشَّرْطِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِمَعْنَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِالرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْخِيَارِ عِنْدَهَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ كَانَ بَاطِلًا (دُونَ الْبَائِعِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَضَاءِ جُبَيْرِ ابْنِ مُطْعِمٍ (وَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِخِيَارٍ مُطْلَقٍ لِلْمُشْتَرِي فَالتَّوْقِيتُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مُبْطِلُهُ.

(وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُعَاوَضَةٌ (وَكَفَى رُؤْيَةُ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ) فَإِنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ، فَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ، اُكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَزِمَ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا

ــ

[حاشية الشرنبلالي]

قَوْلُهُ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ) الْمُرَادُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْمَبِيعِ لَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمُضَارِبِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) إنَّمَا صَدَّرَ بِصِيغَةِ يَعْنِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا يَصْدُقُ بِالرِّضَا الْفِعْلِيِّ فَاحْتَرَزَ عَنْهُ بِالْقَوْلِيِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَزُولُ خِيَارُهُ، وَإِنْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فَجَائِزٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ دُونَ الْبَائِعِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَرَضِ ثَبَتَ لِكُلٍّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعَرَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ وَضْعُ الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ إذْ لَا خِيَارَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الثَّمَنُ الْعَيْنُ فَفِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ وَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى ضَابِطٍ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مُلِكَتْ بِعَقْدٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ لِثُبُوتِ كُلٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَا فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا الْفَسْخَ. اهـ.

قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَدَلُ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا) يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَوْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ اهـ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ) أَيْ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) قَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَهُوَ الَّذِي يُعْرَضُ بِالْأُنْمُوذَجِ أَوْ مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ تُبْطِلُ الْخِيَارَ فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَعَلَيْهِ التَّعَارُفُ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَغِيبًا تَحْتَ الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ بَعْدَ النَّبَاتِ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا بَاعَهُ، ثُمَّ قَلَعَ مِنْهُ نَمُوذَجًا وَرَضِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَيْلًا كَالْبَصَلِ أَوْ وَزْنًا كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>